صفحة جزء
المسألة السابعة والعشرون : قوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة } : يعني انتفع ، وقد رويت متعتان : إحداهما : ما كان من فسخ الحج في العمرة .

والثانية : ما كان من الجمع بين الحج والعمرة في إحرام أو سفر واحد .

فأما فسخ الحج إلى العمرة فروى الأئمة عن ابن عباس قال : كانوا يرون العمرة في أشهر الحرم من أفجر الفجور ، ويقولون : إذا برأ الدبر ، وعفا الأثر ، وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر .

{ فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة مهلين بالحج أمرهم أن يجعلوها عمرة ; فتعاظم ذلك عندهم ، وقالوا : يا رسول الله ، أي الحل ؟ قال : الحل كله } .

وهذه المتعة قد انعقد الإجماع على تركها بعد خلاف يسير كان في الصدر الأول ثم زال .

وأما متعة القران فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عليها في حجه وكثير من أصحابه .

وقال أبو حنيفة : هي السنة ، وقال مالك والشافعي : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إلا مفردا ، وهو الأفضل ; لأنه لا دم فيه ولا انتفاع بإسقاط عمل ولا سفر .

وتعلق أصحاب أبي حنيفة بأدلة منها : أن عليا شاهد عثمان رضي الله عنهما ينهى عن المتعة ، وأن يجمع بينهما ، فلما رأى ذلك علي أهل بهما ، وقال : ما كنت أدع سنة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد . [ ص: 181 ] وقال له علي : ما تريد أن تنهى عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه الأئمة كلهم .

وتعلق مالك والشافعي بحديث جابر وعائشة رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج } . ومعنى ما روي عن علي أن النبي عليه السلام فعله ، أي أمر بفعله ، وقد حققنا المسألة في كتب شرح الحديث .

وأما المسألة الثالثة ، وهي الجمع بين الحج والعمرة في سفر واحد فقال أحمد : إنها الأفضل ; لقوله عليه السلام { : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة } . رواه الأئمة .

وقال علماؤنا : إنما أشفق النبي صلى الله عليه وسلم على ترك الأرفق لا على ترك الأولى ، والأرفق ; لأنه صلى الله عليه وسلم لما أمرهم أن يجعلوها عمرة شق عليهم خلافهم له في الفعل ، فقال { : إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر الهدي } ; معتذرا إليهم مبينا عندهم .

[ ص: 182 ] وقال ، لما رأى من شفقتهم ولما رجاه من امتثالهم واقتدائهم ، وسل سخيمة الجاهلية عن أهوائهم : { لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة كما أمرتكم به } .

والذي يقتضيه لفظ الآية من هذه الأقسام إضافة العمرة إلى الحج بقوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } ولا يصلح هذا اللفظ لفسخ الحج إلى العمرة ، وإذا امتنع هذا في الآية لم يبق إلا الجمع بين الحج والعمرة ، فالآية بعد محتملة للقران ، والجمع بينهما إما في لفظ واحد أو في سفر واحد ; لأنهم كانوا معتمرين فصدهم العدو فحلوا ; وذلك في أشهر الحج التي من اعتمر فيها ، ثم حج من عامه في سفره ذلك على ما بيناه من الشروط ; فيكون متمتعا ; فبين الله تعالى ذلك له .

وكأن المعنى أنتم قد اعتمرتم في أشهر الحج ، فلو حججتم في هذا العام لكنتم متمتعين ، وإن كنتم قد صددتم ; لأن عمرتكم مع حلكم قبل البلوغ إلى البيت عمرة صحيحة كاملة تكون إضافة الحج إليها متعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية