صفحة جزء
المسألة الخامسة

تعلق الرافضة لعنهم الله بهذه الآية على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذ قالوا : إنها خالفت أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وخرجت تقود الجيوش ، وتباشر الحروب ، وتقتحم مآزق الحرب والضرب ، فيما لم يفرض عليها ، ولا يجوز لها .

ولقد حصر عثمان ، فلما رأت ذلك أمرت برواحلها فقربت ، لتخرج إلى مكة ، فقال لها مروان بن الحكم : يا أم المؤمنين ; أقيمي هاهنا ، وردي هؤلاء الرعاع عن عثمان ; فإن الإصلاح بين الناس خير من حجك .

وقال علماؤنا رحمة الله عليهم : إن عائشة كانت نذرت الحج قبل الفتنة ، فلم تر التخلف عن نذرها ; ولو خرجت عن تلك الثائرة لكان ذلك صوابا لها .

وأما خروجها إلى حرب الجمل فما خرجت لحرب ، ولكن تعلق الناس بها ، وشكوا إليها ما صاروا إليه من عظيم الفتنة ، وتهارج الناس ، ورجوا بركتها في [ ص: 570 ] الإصلاح ، وطمعوا في الاستحياء منها إذا وقفت إلى الخلق وظنت هي ذلك ، فخرجت مقتدية بالله في قوله : { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس } .

وبقوله : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما } .

والأمر بالإصلاح مخاطب به جميع الناس من ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، فلم يرد الله بسابق قضائه ، ونافذ حكمه ، أن يقع إصلاح ، ولكن جرت مطاعنات وجراحات ، حتى كاد يفنى الفريقان ، فعمد بعضهم إلى الجمل فعرقبه ، فلما سقط الجمل لجنبه أدرك محمد بن أبي بكر عائشة ، فاحتملها إلى البصرة ، وخرجت في ثلاثين امرأة قرنهن علي بها ، حتى أوصلوها إلى المدينة برة تقية مجتهدة ، مصيبة ثابتة فيما تأولت ، مأجورة فيما تأولت وفعلت ; إذ كل مجتهد في الأحكام مصيب . وقد بينا في كتب الأصول تصويب الصحابة في الحروب ، وحمل أفعالهم على أجمل تأويل .

التالي السابق


الخدمات العلمية