صفحة جزء
الآية الثانية قوله تعالى : { فساهم فكان من المدحضين } . [ ص: 29 ]

فيها أربع مسائل :

المسألة الأولى يونس عليه السلام رسول رب العالمين ، وهو يونس بن متى قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تفضلوني على يونس بن متى } . ونسبه إلى أبيه ، أخبرني غير واحد من أصحابنا عن إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني أنه سئل : هل الباري تعالى في جهة ؟ فقال : لا ، هو يتعالى عن ذلك . قيل له : ما الدليل عليه ؟ قال : الدليل عليه قوله عليه السلام : { لا تفضلوني على يونس بن متى } . فقيل له : ما وجه الدليل من هذا الخبر ؟ قال : لا أقوله حتى يأخذ ضيفي هذا ألف دينار يقضي بها دينه . فقام رجلان فقالا : هي علينا . فقال : لا يتبع بها اثنين ، لأنه يشق عليه . فقال واحد : هي علي .

فقال : إن يونس بن متى رمى بنفسه في البحر ، فالتقمه الحوت ، وصار في قعر البحر في ظلمات ثلاث ، ونادى : { لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } كما أخبر الله عنه ، ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم بأقرب من الله من يونس حين جلس على الرفرف الأخضر ، وارتقى به ، وصعد حتى انتهى به إلى موضع يسمع منه صرير الأقلام ، وناجاه ربه بما ناجاه ، وأوحى إلى عبده ما أوحى بأقرب من الله من يونس بن متى في بطن الحوت وظلمة البحر .

قصدت قبره مرارا لا أحصيها بقرية جلجون في مسيري من المسجد الأقصى إلى قبر الخليل ، وبت به ، وتقربت إلى الله تعالى بمحبته ، ودرسنا كثيرا من العلم عنده ، والله ينفعنا به .

المسألة الثانية بعثه الله إلى أهل نينوى من قرى الموصل على دجلة ومن داناهم ، فكذبوه على عادة الأمم مع الرسل ، فنزل جبريل على يونس ، فقال له : إن العذاب يأتي قومك يوم كذا وكذا . فلما كان يومئذ جاءه جبريل ، فقال له : إنهم قد حضرهم العذاب .

قال له يونس : ألتمس دابة . قال : الأمر أعجل من ذلك . قال : فألتمس حذاء . قال : الأمر أعجل من ذلك . قال : فغضب يونس وخرج ، وكانت العلامة بينه وبين قومه في نزول العذاب عليهم خروجه عنهم . فلما فقدوه خرجوا بالصغير والكبير والشاة والسخلة ، والناقة والهبع [ ص: 30 ] والفحل ، وكل شيء عندهم ، وعزلوا الوالدة عن ولدها والمرأة عن خليلها ، وتابوا إلى الله ، وصاحوا حتى سمع لهم عجيج ، فأتاهم العذاب حتى نظروا إليه ، ثم صرفه الله عنهم ، فغضب يونس ، وركب البحر في سفينة ، حتى إذا كانوا حيث شاء الله ركدت السفينة ، وقيل : هاج البحر بأمواجه ، وقيل : عرض لهم حوت حبس جريتها ، فقالوا : إن فينا مشئوما أو مذنبا ، فلنقترع عليه ; فاقترعوا فطار السهم على يونس ، فقالوا : على مثل هذا يقع السهم ، قد أخطأنا فأعيدوها ، فأعادوا القرعة فوقعت عليه ، فقالوا مثله ، وأعادوها ، فوقعت القرعة عليه . فلما رأى ذلك يونس رمى بنفسه في البحر ، فالتقمه الحوت ، فأوحى الله إليه : إنا لم نجعل يونس لك رزقا ، وإنما جعلنا بطنك له سجنا ، فنادى { أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فاستجاب الله له ، وأمر الحوت فرماه على الساحل قد ذهب شعره ، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين ، فلما ارتفعت الشمس تحات ورقها ، فبكى ; فأوحى الله إليه أتبكي على شجرة أنبتها في يوم وأهلكتها في يوم ، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون آمنوا فمتعناهم إلى حين . .

التالي السابق


الخدمات العلمية