صفحة جزء
الآية الثامنة قوله تعالى : { إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد } .

فيها خمس مسائل : المسألة الأولى قوله : بالعشي . وقد تقدم بيانه ، وأنه من زوال الشمس إلى الغروب ، كما أن الغداة من طلوع الشمس إلى الزوال . المسألة الثانية قوله : { الصافنات الجياد } يعني التي وقفت من الدواب على ثلاث قوائم ، وذلك لعتقها ، فإذا ثنى الفرس إحدى رجليه فذلك علامة على كرمه ، كما أنه إذا شرب ولم يثن سنبكه دل أيضا على كرمه ، ومن الغريب في غريب الحديث : { من سره أن يقوم له الرجال صفونا يعني يديمون له القيام فليتبوأ مقعده من النار } . وهذا حديث موضوع . ومن الحديث المشهور : { من سره أن تتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار } . وقد بيناه في سورة الحج ، وقد يقال صفن لمجرد الوقوف ، والمصدر صفونا قال الشاعر :

ألف الصفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا

[ ص: 56 ] المسألة الثانية الجياد هي الخيل ، وكل شيء ليس برديء يقال له جيد ، ودابة جيدة وجياد مثل سوط وسياط ; عرضت الخيل على سليمان عليه السلام فشغلته عن صلاة العشي بظاهر القولين ; قال المفسرون : هي العصر . وقد روى المفسرون حديثا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { صلاة الوسطى صلاة العصر ، وهي التي فاتت سليمان } ، وهو حديث موضوع . وقيل : كانت ألف فرس ورثها من داود عليه السلام كان أصابها من العمالقة ، وكان له ميدان مستدير يسابق بينها فيه ، فنظر فيها حتى غابت الشمس خلف الحجاب ، وهو ما كان يحجب بينه وبينها لا غير مما يدعيه المفسرون ، وقيل أراد وهي : المسألة الرابعة حتى توارت بالحجاب ، وغابت عن عينيه في المسابقة ; لأن الشمس لم يجر لها ذكر ; وهذا فاسد بل قد تقدم عليها دليل ، وهو قوله : ( بالعشي ) ، كما تقول : سرت بعد العصر حتى غابت يعني الشمس ، وتركها لدلالة السامع لها عليها بما ذكر مما يرتبط بها ، وتعلق بذكرها ; والغداة والعشي أمر مرتبط بمسير الشمس ، فذكره ذكر لها ، وقد بين ذلك لبيد بقوله :

حتى إذا ألقت يدا في كافر     وأجن عورات الثغور ظلامها

المسألة الخامسة فلما فاتته الصلاة قال : { إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي } يعني الخيل ، وسماها خيرا لأنها من جملة المال الذي هو خير بتسمية الشارع له بذلك ، وقد قدمنا بيانه في سورة البقرة ، ولذلك قرأها ابن مسعود : { إني أحببت حب الخيل } بالتصريح بالتفسير ; قال : { ردوها علي فطفق مسحا } بسوقها وأعناقها ، فيه قولان : أحدهما مسحها بيده إكراما لها ، كما ورد في الحديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم رئي وهو يمسح عن فرسه عرقه بردائه ، وقال : إني عوتبت الليلة في الخيل } .

والثاني : أنه مسح أعناقها وسوقها بالسيوف عرقبة ، وهي رواية ابن وهب عن مالك ، وكان فعله هذا بها حين كان سببا لاشتغاله بها عن الصلاة .

فإن قيل : كيف قتلها ، وهي خيل الجهاد ؟ [ ص: 57 ] قلنا : رأى أن يذبحها للأكل .

وفي الصحيح عن جابر أنه قال : { أكلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا } .

فكان ذلك لئلا تشغله مرة أخرى .

وقد روي عن إبراهيم بن أدهم أنه قال : من ترك شيئا لله عوضه الله أمثاله ; ألا ترى إلى سليمان كيف أتلف الخيل في مرضاة الله فعوضه الله منها الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، غدوها شهر ورواحها شهر .

ومن المفسرين من وهم فقال : وسمها بالكي ، وسبلها في سبيل الله ، وليست السوق محلا للوسم بحال .

التالي السابق


الخدمات العلمية