صفحة جزء
المسألة الرابعة جرى ذكر العقب هاهنا موصولا في المعنى بالحقب ، وذلك مما يدخل في الأحكام ، وتترتب عليه عقود العمرى أو التحبيس قال النبي صلى الله عليه وسلم : { أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاها } ; لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث . وهي ترد على أحد عشر لفظا قوله : اللفظ الأول الولد ، وهو عند الإطلاق عبارة عمن وجد عن الرجل وامرأته من الذكور والإناث ، وعن ولد الذكور دون ولد الإناث لغة وشرعا ; ولذلك وقع الميراث على الولد المعين وأولاد الذكور من المعين دون ولد البنات ، لأنه من قوم آخرين ، وكذلك لم يدخلوا في الحبس بهذا اللفظ ; قاله مالك في المجموعة وغيرها .

اللفظ الثاني البنون فإن قال : هذا حبس على ابني فلا يتعدى الولد المعين ولا يتعدد . [ ص: 87 ]

ولو قال : ولدي لتعدى وتعدد في كل من ولد . وإن قال : على بني دخل فيه الذكور والإناث . قال مالك : من تصدق على بنيه وبني بنيه فإن بناته وبنات بناته يدخلن في ذلك .

وروى عيسى عن ابن القاسم فيمن حبس على بناته فإن بنت بنته تدخل في ذلك مع بنات صلبه .

والذي عليه جماعة أصحابه أن ولد البنت لا يدخلون في البنين .

فإن قيل : فقد { قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن بن بنته : إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين } .

قلنا : هذا مجاز ، وإنما أشار به إلى تشريفه وتقديمه . ألا ترى أنه يجوز نفيه عنه ، فيقول الرجل في ولد بنته : ليس بابني ، ولو كان حقيقة ما جاز نفيه عنه ; لأن الحقائق لا تنفى عن مسمياتها ، ألا ترى أنه ينسب إلى أبيه دون أمه ، ولذلك قيل في عبد الله بن عباس : إنه هاشمي ; وليس بهلالي ، وإن كانت أمه هلالية . اللفظ الثالث الذرية ، وهي مأخوذة من ذرأ الله الخلق ، في الأشهر ، فكأنهم وجدوا عنه ونسبوا إليه .

ويدخل فيه عند علمائنا ولد البنات ، لقوله تعالى : { ومن ذريته داود وسليمان } . إلى أن قال : { وزكريا ويحيى وعيسى } فإنما هو من ذريته من قبل أمه ; لأنه لا أب له . اللفظ الرابع العقب ، وهو في اللغة عبارة عن شيء جاء بعد شيء ، وإن لم يكن من جنسه ، يقال أعقب الله بخير ، أي جاء بعد الشدة بالرخاء . وأعقب الشيب السواد . والمعقاب من النساء التي تلد ذكرا بعد أنثى هكذا أبدا . وعقب الرجل ولده وولد ولده الباقون بعده . والعاقبة : الولد قال يعقوب : وفي القرآن : { وجعلها كلمة باقية في عقبه } . وقيل : بل الورثة كلهم عقب . والعاقبة : الولد ، كذلك فسره مجاهد هاهنا . وقال ابن زيد هاهنا : هم الذرية .

وقال ابن شهاب : هم الولد وولد الولد . [ ص: 88 ] وأما من طريق الفقه فقال ابن القاسم في المجموعة : العقب الولد ذكرا كان أم أنثى . وقال عبد الملك : وليس ولد البنات عقبا بحال .

وقال محمد عن إبراهيم عن ابن القاسم ، عن مالك فيمن حبس على عقبه ولعقبه ولد فإنه يساوي بينهم وبين آبائهم للذكر والأنثى سواء ، ويفضل ذو العيال ، وهذا من قول ابن شهاب إنه الولد وولد الولد ، وليس ولد الابنة عقبا ولا ابنة الابنة .

وقال القاضي : إن كان المراد بالكلمة التوحيد ، فيدخل فيه الذكر والأنثى ، وإن كان المراد به الإمامة فلا يدخل فيه إلا الذكر وحده ; لأن الأنثى ليست بإمام . وقد بينا ذلك وأوضحناه ; وإنما لا يكون ولد البنات عقبا ولا ولدا إذا كان القول الأول : على ولدي أو عقبي مفردا ، وأما إذا تكرر فقال : على ولدي وولد ولدي ، وعلى عقبي وعقب عقبي ، فإنه يدخل ولد البنات فيه حسبما يذكر فيه ، ولا يدخل فيما بعده مثل قوله : أبدا ، ومثل قوله ما تناسلوا .

اللفظ الخامس نسلي ، وهو عند علمائنا كقوله : ولد ولدي فإنه يدخل فيه ولد البنات ، ويجب أن يدخلوا ; لأن " نسل " بمعنى خرج ، وولد البنات قد خرجوا منه بوجه ، ولم يقترن به ما يخصه ، كما اقترن بقوله : عقبي ما تناسلوا ، حسبما تقدم . والله أعلم .

اللفظ السادس الآل ، وهم الأهل . وهو اللفظ السابع . قال ابن القاسم : هما سواء ، وهم العصبة والإخوة والأخوات ، والبنات والعمات ، ولا يدخل فيه الخالات ، وأصل الأهل الاجتماع ، يقال مكان آهل إذا كان فيه جماعة ، وذلك بالعصبة ، ومن دخل في العقد ; والعصبة مشتقة منه ، وهي أخص به . وفي حديث الإفك : يا رسول الله ، أهلك ولا نعلم إلا خيرا يعني عائشة ; ولكن لا تدخل الزوجة فيه بإجماع ، وإن كانت أصل التأهل ; لأن ثبوتها ليس بيقين ، وقد يتبدل ربطها وينحل بالطلاق .

وقد قال مالك : آل محمد كل تقي ، وليس من هذا الباب ، وإنما أراد أن الإيمان أخص من القرابة ، وقد اشتملت عليه الدعوة وقصد بالرحمة . [ ص: 89 ] وقد قال أبو إسحاق التونسي : يدخل في الأهل من كان من جهة الأبوين فوفى الاشتقاق حقه ، وغفل عن العرف ومطلق الاستعمال . وهذه المعاني إنما تبنى على الحقيقة أو العرف المستعمل عند الإطلاق ، فهذان لفظان .

اللفظ الثامن القرابة ، وفيها أربعة أقوال : الأول : قال مالك في كتاب محمد ، وابن عبدوس : إنهم الأقرب فالأقرب بالاجتهاد ، ولا يدخل فيه ولد البنات ، ولا ولد الخالات . الثاني يدخل فيه أقاربه من قبل أبيه وأمه ; قاله علي بن زياد . الثالث : قال أشهب : يدخل فيه كل ذي رحم من الرجال والنساء . الرابع قال ابن كنانة : يدخل فيه الأعمام والعمات والأخوات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت . وقد قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى : { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } قال : إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم وقال : لم يكن بطن من قريش إلا كانت بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم قرابة ، فهذا يضبطه . والله أعلم .

اللفظ التاسع : العشيرة ، ويضبطه الحديث الصحيح : { إن الله تعالى لما أنزل : { وأنذر عشيرتك الأقربين } دعا النبي صلى الله عليه وسلم بطون قريش وسماهم } كما تقدم ذكره ، وهم العشيرة الأقربون ; وسواهم عشيرة في الإطلاق ، واللفظ يحمل على الأخص الأقرب بالاجتهاد ، كما تقدم من قول علمائنا . اللفظ العاشر القوم [ قال القرويون ] : يحمل ذلك على الرجال خاصة من العصبة دون النساء . والقوم يشتمل على الرجال والنساء ، وإن كان الشاعر قد قال :

وما أدري وسوف أخال أدري أقوم آل حصن أم نساء

[ ص: 90 ] ولكنه أراد أن الرجل إذا دعا قومه للنصرة عنى الرجال ، وإذا دعاهم للحرمة دخل فيهم الرجال والنساء ، فتعمه الصفة وتخصه القرينة . اللفظ الحادي عشر الموالي : قال مالك : يدخل فيه موالي أبيه وابنه مع مواليه . وقال ابن وهب : يدخل فيه أولاد مواليه .

قال القاضي : والذي يتحصل فيه أنه يدخل فيه من يرثه بالولاء ; وهذه فصول الكلام وأصوله مرتبطة بظاهر القرآن ; والسنة المبينة له والتفريع والتتميم في كتب المسائل ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية