المسألة الثامنة عشرة 
قوله : { ثم يعودون لما قالوا   }   : وهو حرف مشكل ; واختلف الناس فيه قديما وحديثا ، وقد بيناه في ملجئة المتفقهين إلى معرفة غوامض النحويين . 
ومحصول الأقوال سبعة : 
أحدها : أنه العزم على الوطء ; وهو مشهور قول 
العراقيين    .  
[ ص: 161 ] 
الثاني : أنه العزم على الإمساك . 
الثالث : العزم عليهما ; وهو قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك  في موطئه . 
الرابع : أنه الوطء نفسه . 
الخامس : قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    : هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق . 
السادس : أنه لا يستبيح وطأها إلا بكفارة . 
السابع : هو تكرير الظهار بلفظه ، ويسند إلى 
بكير بن الأشج    . 
فأما القول بأنه العود إلى لفظ الظهار فهو باطل قطعا ، ولا يصح عن 
بكير  ، وإنما يشبه أن يكون من جهالة 
 nindex.php?page=showalam&ids=15854داود  وأشياعه . وقد رويت قصص المتظاهرين ، وليس في ذكر الكفارة عليهم ذكر لعود القول منهم . وأيضا فإن المعنى ينقضه ; لأن الله تعالى وصفه بأنه منكر من القول وزور ، فكيف يقال له إذا أعدت القول المحرم والسبب المحظور وجبت عليك الكفارة ، وهذا لا يعقل ; ألا ترى أن كل سبب يوجب الكفارة لا تشترط فيه الإعادة من قتل ووطء في صوم ونحوه . 
وأما قول 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  بأنه ترك الطلاق مع القدرة عليه فينقضه ثلاثة أمور أمهات : 
الأول : أنه قال { 
ثم   } وهذا بظاهره يقتضي التراخي . 
الثاني : أن قوله { 
ثم يعودون   } يقتضي وجود فعل من جهته ، ومرور الزمان ليس بفعل منه . 
الثالث : أن الطلاق الرجعي لا ينافي البقاء على الملك ، فلم يسقط حكم الظهار كالإيلاء . 
فإن قيل : فإذا رآها كالأم لم يمسكها ; إذ لا يصح إمساك الأم بالنكاح . وهذا عمدة أهل ما وراء النهر . 
قلنا    : إذا عزم على خلاف ما قال ، ورآها خلاف الأم كفر ، وعاد إلى أهله .  
[ ص: 162 ] 
وتحقيق هذا القول أن العزم قول نفسي ، وهذا رجل قال قولا يقتضي التحليل ، وهو النكاح ، وقال قولا يقتضي التحريم وهو الظهار ، ثم عاد لما قال ، وهو قول التحليل ; فلا يصح أن يكون منه ابتداء عقد ; لأن العقد باق ، فلم يبق إلا أنه قول عزم يخالف ما اعتقده ، وقاله في نفسه من الظهار الذي أخبر عنه بقوله : أنت علي كظهر أمي . 
وإذا كان ذلك كفر ، وعاد إلى أهله لقوله : { 
من قبل أن يتماسا   } ، وهذا تفسير بالغ في فنه . 
فإن قيل : العزم على الفعل محرم ، فلا أثر له في موافقة المحرم . 
قلنا : هذا لا معنى له ; لأنه إنما يعزم على ما يجوز له بمحلل ، وهو الكفارة .