صفحة جزء
المسألة الثانية قوله : { وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } ثبت في الصحيح { أن أبا هريرة قرأ : { إذا السماء انشقت } فسجد فيها ، فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها } وقد قال مالك : إنها ليست من عزائم السجود والصحيح أنها منه ، وهي رواية المدنيين عنه . وقد اعتضد فيها القرآن والسنة .

قال ابن العربي : لما أممت بالناس تركت قراءتها ; لأني إن سجدت أنكروه ، وإن تركتها كان تقصيرا مني ، فاجتنبتها إلا إذا صليت وحدي . وهذا تحقيق وعد الصادق بأن يكون المعروف منكرا والمنكر معروفا .

وقد { قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة [ ص: 320 ] لولا حدثان عهد قومك بالكفر لهدمت البيت ورددته على قواعد إبراهيم . }

وقال كان شيخنا أبو بكر الفهري يرفع يديه عند الركوع ، وعند رفع الرأس منه ، وهذا مذهب مالك والشافعي ، وتفعله الشيعة ، فحضر عندي يوما بمحرس ابن الشواء بالثغر موضع تدريسي عند صلاة الظهر ، ودخل المسجد من المحرس المذكور ، فتقدم إلى الصف الأول وأنا في مؤخره قاعد على طاقات البحر ، أتنسم الريح من شدة الحر ، ومعه في صف واحد أبو ثمنة رئيس البحر وقائده ، مع نفر من أصحابه ينتظر الصلاة ، ويتطلع على مراكب تحت الميناء ، فلما رفع الشيخ يديه في الركوع وفي رفع الرأس منه قال أبو ثمنة وأصحابه : ألا ترون إلى هذا المشرقي كيف دخل مسجدنا ؟ فقوموا إليه فاقتلوه وارموا به في البحر ، فلا يراكم أحد . فطار قلبي من بين جوانحي ، وقلت : سبحان الله ، هذا الطرطوشي فقيه الوقت . فقالوا لي : ولم يرفع يديه ؟ فقلت : كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ، وهو مذهب مالك في رواية أهل المدينة عنه . وجعلت أسكنهم وأسكتهم ، حتى فرغ من صلاته ، وقمت معه إلى المسكن من المحرس ، ورأى تغير وجهي ، فأنكره ، وسألني فأعلمته فضحك ، وقال : ومن أين لي أن أقتل على سنة ، فقلت له : ولا يحل لك هذا فإنك بين قوم إن قمت بها قاموا عليك ، وربما ذهب دمك . فقال : دع هذا الكلام وخذ في غيره .

وفي الحديث الصحيح ، عن أبي رافع قال : { صليت خلف أبي هريرة صلاة العشاء يعني العتمة فقرأ { إذا السماء انشقت } فسجد فيها ، فلما فرغ قلت : يا أبا هريرة ، وإن هذه السجدة ما كنا نسجدها . قال : سجدها أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وأنا خلفه ، فلا أزال أسجدها حتى ألقى أبا القاسم } . وكان عمر بن عبد العزيز يسجد فيها مرة ، ومرة لا يسجد ، كأنه لا يراها من العزائم عزائم القرآن وقد بينا الصحيح في ذلك

والله أعلم [ بغيبه وأحكم ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية