صفحة جزء
المسألة الرابعة اختار البخاري من هذا التقسيم قول مجاهد : إنه لم يقتحم العقبة في الدنيا ; وإنما اختار ذلك ; لأنه قال بعد ذلك في الآية الثالثة : { وما أدراك ما العقبة } . [ ص: 347 ]

ثم قال في الآية الرابعة : { فك رقبة } . وفي الآية الخامسة : { أو إطعام في يوم ذي مسغبة } . ثم قال في الآية السادسة : { يتيما ذا مقربة } . ثم قال في الآية السابعة : { أو مسكينا ذا متربة } ، فهذه الأعمال إنما تكون في الدنيا .

المعنى فلم يأت في الدنيا بما يسهل له سلوك العقبة في الآخرة .

تحقيقه : وما أدراك ما العقبة ; أي شيء يقتحم به العقبة ; لأن الاقتحام يدل على مقتحم به ، وهو ما فسره من الأعمال الصالحة : أولها فك رقبة . والفك هو حل القيد ، والرق قيد ، وسمي المرقوق رقبة لأنه كالأسير الذي يربط بالقيد في عنقه قال حسان :

كم من أسير فككناه بلا ثمن وجز ناصية كنا مواليها

وفك الأسير من العدو مثله ; بل أولى منه على ما بيناه فيما قبل .

وفي الحديث : { من أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار } . وفي الحديث { من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار حتى الفرج بالفرج } . وهو حديث صحيح عظيم في تكفير الزنا بالعتق .

وفي كتب المالكية { أن واثلة بن الأسقع سأل أن يحدث بحديث لا وهم فيه ولا نقصان ، فغضب واثلة ، وقال : المصاحف تجددون فيها النظر بكرة وعشية وأنتم تهمون تزيدون وتنقصون ، ثم قال : جاء ناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، صاحبنا هذا قد أوجب . قال النبي صلى الله عليه وسلم : مروه فليعتق رقبة ; فإن له بكل عضو من المعتق عضوا منه من النار } .

وروى الوليد بن مسلم عن مالك بن أنس عن إبراهيم بن أبي علية ، حدثهم عن إبراهيم بن عبد الله الديلي عن واثلة بن الأسقع بنحو مثله المسألة الخامسة قال أصبغ : الرقبة الكافرة ذات الثمن أفضل في العتق من الرقبة المؤمنة القليلة الثمن ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل أي الرقاب أفضل ؟ قال : { أغلاها ثمنا ، وأنفسها عند أهلها } . [ ص: 348 ]

والمراد في هذا الحديث من المسلمين ، بدليل قوله عليه السلام : { من أعتق امرأ مسلما } ، { ومن أعتق رقبة مؤمنة } ، وما ذكره أصبغ وهلة . وإنما نظر إلى تنقيص المال ، والنظر إلى تجريد المعتق للعبادة ; وتفريغه للتوحيد أولى . وقد بيناه في كتاب الصريح من مختصر النيرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية