صفحة جزء
الآية الثالثة قوله تعالى : { وأما بنعمة ربك فحدث } : فيها مسألتان : [ ص: 356 ]

المسألة الأولى في قوله : [ وأما بنعمة ربك فحدث ] ثلاثة أقوال : أحدها أنها النبوة .

الثاني : أنها القرآن .

الثالث : إذا أصبت خيرا أو عملت خيرا فحدث به الثقة من إخوانك ; قاله الحسن .

المسألة الثانية أما من قال إنها النبوة فقد روى عبد الله بن شداد بن الهاد ، قال : { جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، اقرأ . قال : وما أقرأ ؟ قال : { اقرأ باسم ربك الذي خلق } حتى بلغ { علم الإنسان ما لم يعلم } فقال لخديجة : يا خديجة ; ما أراني إلا قد عرض لي . فقالت خديجة : كلا والله ، ما كان ربك ليفعل ذلك بك ، وما أتيت فاحشة قط . قال : فأتت خديجة ورقة بن نوفل ، فذكرت ذلك له ; فقال ورقة : إن تكوني صادقة فزوجك نبي ، وليلقين من أمته شدة ، فاحتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالت خديجة : يا محمد ، ما أرى ربك إلا قد قلاك ، فأنزل الله تعالى : { والضحى } } يعني السورة . فهذا حديثه بالنبوة .

وأما حديثه بالقرآن فتبليغه إياه ، قالت عائشة رضي الله عنها : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما من الوحي شيئا لكتم هذه الآية : { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك } . وقالت عائشة رضي الله عنها : من زعم أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد أعظم على الله الفرية ، والله يقول : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } .

وأما تحدثه بعمل فإن ذلك يكون بإخلاص من النية عند أهل الثقة ، فإنه ربما خرج إلى الرياء ، وأساء الظن بسامعه . وقد روى أيوب ; قال : دخلت على أبي رجاء العطاردي ، فقال : لقد رزق الله البارحة خيرا ، صليت كذا وسبحت كذا . قال : قال : أيوب : فاحتملت ذلك لأبي رجاء .

ومن الحديث بالنعمة إظهارها بالملبس والمركب قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إن الله إذا أنعم على عبد بنعمة أحب أن يرى أثر نعمته } ; وإظهارها بالملبس والمركب .

وإظهارها بالجديد والقوي من الثياب النقي ، وليس بالخلق الوسخ ، وفي المركب اقتناؤه للجهاد أو لسبيل الحلال ، حسبما تقدم بيانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية