المسألة التاسعة : قوله تعالى : { 
فإمساك بمعروف   } : ظن جهلة من الناس أن الفاء هنا للتعقيب ، وفسر أن الذي يعقب الطلاق من الإمساك الرجعة ; وهذا جهل بالمعنى واللسان :  
[ ص: 262 ] أما جهل المعنى فليست الرجعة عقيب الطلقتين ، وإنما هي عقيب الواحدة كما هي عقيب الثانية ، ولو لزمت حكم التعقيب في الآية لاختصت بالطلقتين . 
وأما الإعراب فليست الفاء للتعقيب هنا ، ولكن ذكر أهل الصناعة فيها معاني ، أمهاتها ثلاثة : 
أحدها : أنها للتعقيب ، وذلك في العطف ، تقول : خرج زيد فعمرو . 
الثاني : السبب ، وذلك في الجزاء ، تقول : إن تفعل خيرا فالله يجزيك ; فهو بعده ; لكن ليس معقبا عليه . 
الثالثة : زائدة ، كقولك : زيد فمنطلق ، كما قال الشاعر : 
وقائلة خولان فانكح فتاتهم وأكرومة الحيين خلو كما هيا 
وهذا لم يصححه 
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه    . 
والذي قاله صحيح من أن الفاء هاهنا ليست بزائدة ، وإنما هي في معنى الجواب للجملة ، كأنه قال : هذه خولان فانكح فتاتهم . كما تقول : هذا زيد فقم إليه ، ويرجع عندي إلى معنى التسبب ، فيكون معنيين . 
المسألة العاشرة : قال علماؤنا : إذا 
وطئ بنية الرجعة جاز ، وكان من الإمساك بالمعروف ; لأنه إذا قال : قد راجعتك كان معروفا جائزا ، فالوطء أجوز . 
فإن قيل : هي محرمة بالطلاق ، فكيف يباح له الوطء ؟ قلنا : الإباحة تحصل بنية الرجعة ، كما تحصل بقولها . 
فإن قيل : فقد قال الله تعالى : { 
وأشهدوا ذوي عدل منكم   } ; والإشهاد يتصور على القول ولا يتصور على الوطء . قلنا : بتصور الإشهاد على الإقرار بالوطء .  
[ ص: 263 ] فإن قيل : إنما يشهد على الإقرار بفعله بعد فعله ، وظاهر الآية أن الوطء لا يحل إلا بعد الإشهاد . قلنا : ليس في الآية إيقاف الحل على الإشهاد ، إنما فيه إلزام الإشهاد ، وذلك يتبين عند ذكر الآية إن شاء الله تعالى .