صفحة جزء
الآية الثالثة والسبعون :

قوله تعالى : { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في [ ص: 285 ] أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } فيها عشر مسائل :

المسألة الأولى : حرم الله تعالى النكاح في العدة ، وأوجب التربص على الزوجة ، وقد علم سبحانه أن الخلق لا يستطيعون الصبر عن ذكر النكاح والتكلم فيه ، فأذن في التصريح بذلك مع جميع الخلق ، وأذن في ذكر ذلك بالتعريض مع العاقد له ، وهو المرأة أو الولي ; وهو في المرأة آكد .

والتعريض هو القول المفهم لمقصود الشيء ، وليس بنص فيه . والتصريح هو التنصيص عليه والإفصاح بذكره ، مأخوذ من عرض الشيء وهو ناحيته ، كأنه يحوم على النكاح ولا يسف عليه ويمشي حوله ولا ينزل به .

المسألة الثانية : في تفسير التعريض : وقد روي عن السلف فيه كثير ، جماعه عندي يرجع إلى قسمين :

الأول : أن يذكرها للولي ; يقول لا تسبقني بها .

الثاني : أن يشير بذلك إليها دون واسطة . فإن ذكر ذلك لها بنفسه ففيه سبعة ألفاظ :

الأول : أن يقول لها : إني أريد التزويج .

الثاني : أن يقول لها : لا تسبقيني بنفسك ; قاله ابن عباس .

الثالث : أن يقول لها : إنك لجميلة ، وإن حاجتي في النساء ، وإن الله لسائق إليك خيرا .

الرابع : أن يقول لها : إنك لنافقة ; قاله ابن القاسم .

[ ص: 286 ] الخامس : إن لي حاجة ، وأبشري فإنك نافقة ، وتقول هي : قد أسمع ما تقول ; ولا تزيد شيئا ; قاله عطاء .

السادس : أن يهدي لها .

قال إبراهيم : إذا كان من شأنه . وقال الشعبي مثله في :

السابع : ولا يأخذ ميثاقها .

قالت سكينة بنت حنظلة بن عبد الله بن حنظلة : دخل علي أبو جعفر وأنا في عدتي فقال : يا بنت حنظلة ، قد علمت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق جدي علي . فقلت : غفر الله لك أبا جعفر ، تخطبني في عدتي وأنت يؤخذ عنك ؟ فقال : أوقد فعلت ، إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي .

وقد { دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وكانت عند ابن عمها أبي سلمة فتوفي عنها ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر لها منزلته من الله } ، وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده من شدة تحامله ، فما كانت تلك خطبة .

فانتحل من هذا فصلان :

أحدهما : أن يذكرها لنفسها .

الثاني : أن يذكرها لوليها أو يفعل فعلا يقوم مقام الذكر كأن يهدي لها .

والذي مال إليه مالك أن يقول : إني بك لمعجب ، ولك محب ، وفيك راغب . وهذا عندي أقوى التعريض ، وأقرب إلى التصريح .

والذي أراه أن يقول لها : إن الله تعالى سائق إليك خيرا ، وأبشري وأنت نافقة . فإن قال لها أكثر فهو إلى التصريح أقرب .

ألا ترى إلى ما قال أبو جعفر الباقر ، وإلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما إذا ذكرها لأجنبي فلا حرج عليه ولا حرج على الأجنبي في أن يقول : إن فلانا يريد أن يتزوجك إذا لم يكن ذلك بواسطة .

[ ص: 287 ] وهذا التعريض ونحوه من الذرائع المباحة ; إذ ليس كل ذريعة محظورا ، وإنما يختص بالحظر الذريعة في باب الربا ، لقول عمر رضي الله عنه : فدعوا الربا والريبة وكل ذريعة ريبة ; وذلك لعظيم حرمة الربا وشدة الوعيد فيه من الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية