صفحة جزء
المسألة التاسعة والأربعون : قوله تعالى : { فإن أمن بعضكم بعضا } معناه إن أسقط الكتاب والإشهاد والرهن ، وعول على أمانة المعامل ، فليؤد الذي ائتمن الأمانة وليتق الله ربه .

وقد اختلف العلماء في ذلك كما بيناه ، ولو كان الإشهاد واجبا لما جاز إسقاطه ، وبهذا يتبين أنه وثيقة ، وكذلك هو عندنا في النكاح ، وقال المخالفون : هو واجب في النكاح ، وسيأتي في سورة الطلاق إن شاء الله تعالى .

وقد قال بعض الناس : إن هذا ناسخ للأمر بالإشهاد ، وتابعهم جماعة ; ولا منازعة عندنا في ذلك ، بل هو جائز ، وحبذا الموافقة في المذهب ، ولا نبالي من الاختلاف في الدليل .

وجملة الأمر أن الإشهاد حزم ، والائتمان وثيقة بالله من المداين ، ومروءة من [ ص: 346 ] المدين ، وفي الحديث الثابت الصحيح عن أبي هريرة قول النبي صلى الله عليه وسلم : { ذكر أن رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار ، فقال : ائتني بالشهداء أشهدهم ، فقال : كفى بالله شهيدا قال : فأتني بالكفيل . قال : كفى بالله كفيلا . قال : صدقت . فدفعها إليه إلى أجل مسمى . فخرج الرجل في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركبا ، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ، ثم زجج موضعها ، ثم أتى بها إلى البحر ، فقال : اللهم إنك تعلم أني تسلفت فلانا ألف دينار ، فسألني كفيلا فقلت : كفى بالله كفيلا فرضي بذلك وسألني شهيدا فقلت : كفى بالله شهيدا فرضي بذلك وإني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر . وإني استودعتكها . فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده . فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبا فلما نشرها وجد المال والصحيفة ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار ، وقال : والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه قال : هل كنت بعثت إلي شيئا ؟ قال : أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت به . قال : فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة فانصرف بالألف دينار راشدا } .

وقد روي ، عن سعيد الخدري أنه قرأ هذه الآية فقال : نسخ لكل ما تقدم يعني من الأمر بالكتاب والإشهاد والرهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية