صفحة جزء
المسألة الثانية : القرعة أصل في شريعتنا ; ثبت { أن النبي عليه السلام كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها } ، وهذا مما لم يره مالك شرعا .

والصحيح أنه دين ومنهاج لا يتعدى ، وثبت عنه أيضا صلى الله عليه وسلم : { أن رجلا أعتق عبيدا له ستة في مرضه لا مال له غيرهم فأقرع النبي صلى الله عليه وسلم بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة } . [ ص: 359 ] وهذا مما رآه مالك والشافعي ، وأباه أبو حنيفة ; واحتج بأن القرعة في شأن زكريا وأزواج النبي عليه السلام كانت مما لو تراضوا عليه دون قرعة لجاز .

وأما حديث الأعبد فلا يصح التراضي في الحرية ولا الرضا ; لأن العبودية والرق إنما ثبتت بالحكم دون قرعة فجازت ، ولا طريق للتراضي فيها ، وهذا ضعيف ; فإن القرعة إنما فائدتها استخراج الحكم الخفي عند التشاح فأما ما يخرجه التراضي فيه فباب آخر ، ولا يصح لأحد أن يقول : إن القرعة تجري في موضع التراضي ، وإنها لا تكون أبدا مع التراضي فكيف يستحيل اجتماعها مع التراضي ؟ ثم يقال : إنها لا تجري إلا على حكمه ولا تكون إلا في محله ; وهذا بعيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية