صفحة جزء
المسألة الثانية : قال ابن عباس : حرم الله تعالى في هذه الآية من النسب سبعا ومن الصهر سبعا ، وهذا صحيح ; وهو أصل المحرمات ، ووردت من جهة مبينة لجميعها بأخصر لفظ وأدل معنى فهمته الصحابة وخبرته العلماء .

ونحن نفصل ذلك بالبيان فنقول : الأم : عبارة عن كل امرأة لها عليك ولادة ، ويرتفع نسبك إليها بالبنوة ، كانت منك على عمود الأب أو على عمود الأم ، وكذلك من فوقك . والبنت : عبارة عن كل امرأة لك عليها ولادة تنتسب إليك بواسطة أو بغير واسطة إذا كان مرجعها إليك . والأخت : عبارة عن كل امرأة شاركتك في أصليك : أبيك وأمك ، ولا تحرم أخت الأخت إذا لم تكن لك أختا ; فقد يتزوج الرجل المرأة ولكل واحد منهما ولد ثم يقدر بينهما ولد . [ ص: 479 ] سحنون : هو أن يزوج الرجل ولده من غيرها بنتها من غيره . وتفسيرها أن يكون لرجل اسمه زيد زوجتان عمرة وخالدة ، وله من عمرة ولد اسمه عمرو ، ومن خالدة بنت اسمها سعادة ، ولخالدة زوج اسمه عمرو ، وله منها بنت اسمها حسناء ، فزوج زيد ولده عمرا من حسناء ، وهي أخت أخت عمرو ، وهذه صورتها لتكون أثبت في النفوس . العمة : هي عبارة عن كل امرأة شاركت أباك ما علا في أصليه . الخالة : هي كل امرأة شاركت أمك ما علت في أصليها ، أو في أحدهما على تقدير تعلق الأمومة كما تقدم ، ومن تفصيله تحريم عمة الأب وخالته ; لأن عمة الأب أخت الجد ، والجد أب ، وأخته عمة ، وخالة الأب أخت جدته لأمه ، والجدة أم ، فأختها خالة ، وكذلك عمة الأم أخت جدها لأبيها ، وجدها أب وأخته عمة ، وخالة أمها جدته . والجدة أم وأختها خالة ; وتتركب عليه عمة العمة ; لأنها عمة الأب كذلك ، وخالة العمة خالة الأم كذلك ، وخالة الخالة خالة الأم ، وكذلك عمة الخالة عمة الأم ; فتضمن هذا كله قوله تعالى : { وعماتكم وخالاتكم } بالاعتلاء في الاحترام ، ولم يتضمنه آية الفرائض بالاشتراك في المواريث ، لسعة الحجر في التحريم وضيق الاشتراك في الأموال . فعرق التحريم يسري حيث اطرد ، وسبب الميراث يقف أين ورد ، ولا تحرم أم العمة ولا أخت الخالة ; وصورة ذلك كما قررنا لك في الأخت . بنت الأخ ، وبنت الأخت : عبارة عن كل امرأة لأخيك أو لأختك عليها ولادة ، وترجع إليها بنسبة ; فهذه الأصناف النسبية السبعة . وأما الأصناف الصهرية السبعة : { أمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } وهما محرمتان بالقرآن ، ولم يذكر من المحرم بالرضاعة في القرآن سواهما . والأم أصل والأخت فرع ; فنبه بذلك على جميع الأصول والفروع ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة } . [ ص: 480 ]

وثبت في الصحاح عن علي أنه قال : { قلت : يا رسول الله ; مالك تنوق في قريش وتدعنا ؟ قال : وعندكم شيء ؟ قلت : نعم ، ابنة حمزة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها ابنة أخي من الرضاعة } . ومثله في الصحة والمعنى حديث { أم حبيبة قالت : يا رسول الله ; إني لست لك بمخلية ، وأحب من شركني في خير أختي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن ذلك لا يحل لي قلت : فإنا نتحدث أنك تنكح ابنة أبي سلمة . قال : ابنة أم سلمة ؟ قلت : نعم . قال : إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي ، إنها ابنة أخي ، أرضعتني أنا وأبا سلمة ثويبة ، فلا تعرضن علي بناتكم ولا أخواتكن } . قال ابن العربي : وثويبة هي التي أرضعت حمزة أيضا ، فروي أن هذا الرضاع كان في وقت واحد . وروي أنه كان في وقتين لاتفاق أهل السير على أن حمزة كان أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم بعامين ، وقيل بأربع .

التالي السابق


الخدمات العلمية