صفحة جزء
المسألة الثانية عشرة : قوله تعالى : { أن تبتغوا بأموالكم } : يعني بالنكاح أو بالشراء ، فأباح الله الحكيم الفروج بالأموال والإحصان دون [ ص: 497 ] السفاح وهو الزنا ; وهذا يدل على وجوب الصداق في النكاح ، لكن رخص في جواز السكوت عنه عند العقد كما تقدم في التفويض في سورة البقرة ، وقد حققناه هنالك في مسائل الخلاف .

المسألة الثالثة عشرة : قال الله سبحانه : { أن تبتغوا بأموالكم } مطلقا ، فتعلق الشافعي بهذا الإطلاق في جواز الصداق بكل قليل وكثير ، وعضد ذلك بحديث الموهوبة في الصحيح في قوله صلى الله عليه وسلم : { التمس ولو خاتما من حديد } .

ولنا فيه طرق ; أقواها أن الله تبارك وتعالى لما حرم استباحة هذا العضو وهو البضع إلا ببدل وجب أن يتقرر ذلك البدل ; بيانا لخطره وتحقيقا لشرفه ، لا سيما وهو حق الله تعالى ; وحقوق الله مقدرة كالشهادات والكفارات والزكاة و [ نصب ] السرقة والديات . وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف ; فوجب أن يتخصص هذا الإطلاق بهذه الأدلة ، لا سيما ومساق هذا اللفظ إيجاب البدل ، وليس المقصود الإشارة بعمومه . فأما حديث خاتم الحديد فخاتم في العرف يتزين به ، قيمته أكثر من ربع دينار ، وهذا ظاهر ; فتأمل تحقيقه في موضعه .

المسألة الرابعة عشرة : لما أمر الله تعالى بالنكاح بالأموال لم يجز أن يبذل فيه ما ليس بمال ، وتحقيق المال ما تتعلق به الأطماع ، ويعتد للانتفاع ، هذا رسمه في الجملة ، وفيه تفصيل . وتحقيق بيانه في كتب المسائل يترتب عليه أن منفعة الرقبة في الإجارة مال ، وأن [ ص: 498 ] منفعة التعليم للعلم كله مال ، وفي جواز كونه صادقا كلام يأتي بيانه في سورة القصص إن شاء الله تعالى . وأما عتق الأمة فليس بمال . وقال أحمد بن حنبل : هو مال يجوز النكاح بمثله ، لأن { النبي صلى الله عليه وسلم جعله صداقا في نكاحه لصفية بنت حيي بن أخطب فإنه أعتقها بتزوجها وجعل عتقها صداقها } ، رواه أنس في الصحيح . وقال علماؤنا : كان النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا في النكاح وغيره بخصائص ، ومن جملتها أنه كان ينكح بغير ولي ولا صداق ، فإنه كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وقد أراد زينب فحرمت على زيد ، فلا يجوز أن يستدل بمثل هذا . وقد حققنا خصائصه في سورة الأحزاب ، وقد عضد ذلك علماؤنا بأن قالوا : إن قوله : { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا } ; وذلك لا يتصور في العتق ، وقد مهدناه في مسائل الخلاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية