صفحة جزء
المسألة الثانية : قوله تعالى : { الميتة } .

وهي الإطلاق عرفا ، والمراد بالآيات حكما ما مات من الحيوان حتف أنفه من غير قتل بذكاة ، أو مقتولا بغير ذكاة ، وكانت الجاهلية تستبيحه فحرمه الله تعالى ; فجادلوا فيه فرد الله تعالى عليهم على ما يأتي بيانه في الأنعام إن شاء الله تعالى .

المسألة الثالثة : في شعرها وصوفها وقرنها : ويأتي في سورة النحل إن شاء الله تعالى .

المسألة الرابعة : في عموم هذه الآية وخصوصها : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أحلت لنا ميتتان ودمان ، فالميتتان السمك والجراد والدمان الكبد والطحال } . ذكره الدارقطني وغيره

، واختلف العلماء في تخصيص ذلك :

فمنهم من خصصه في الجراد والسمك ، وأجاز أكلهما من غير معالجة ولا ذكاة قاله الشافعي وغيره .

ومنهم من منعه في السمك وأجازه في الجراد ، وهو أبو حنيفة .

ومع اختلاف الناس في جواز تخصيص عموم الكتاب بالسنة فقد اتفقوا على أنه [ ص: 78 ] لا يجوز تخصيصه بحديث ضعيف ، وهذا الحديث يروى عن ابن عمر وغيره مما لا يصح سنده . ولكنه ورد في السمك حديث صحيح جدا : في الصحيحين { عن جابر بن عبد الله أنه خرج مع أبي عبيدة بن الجراح يتلقى عيرا لقريش ، وزودنا جرابا من تمر ، فانطلقنا على ساحل البحر ، فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم ، فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر قال أبو عبيدة : ميتة ، ثم قال : بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اضطررتم فكلوا . قال : فأقمنا عليه شهرا حتى سمنا ، وذكر الحديث قال : فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له ، فقال : هو رزق أخرجه الله لكم ، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا ؟ قال : فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، فأكله } .

وروي عن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { هو الطهور ماؤه الحل ميتته } .

فهذا الحديث يخصص بصحة سنده عموم القرآن في تحريم الميتة على قول من يرى ذلك ، وهو نص في المسألة .

[ ص: 79 ] ويعضده قول الله تعالى : { أحل لكم صيد البحر وطعامه } .

فصيده ما صيد وتكلف أخذه ، وطعامه ما طفا عليه ، أو جزر عنه .

ومنهم من خصصه في السمك خاصة ، ورأى أكل ميتته ، ومنع من أكل الجراد إلا بذكاة ; قاله مالك وغيره ; وذلك لأن عموم الآية يجري على حاله حتى يخصصه الحديث الصحيح ، أو الآية الظاهرة ، وقد وجد كلاهما في السمك ، وليس في الجراد حديث يعول عليه في أكل ميتته .

أما أكل الجراد فجائز بالإجماع ، وفيه أخبار منها حديث ابن أبي أوفى : { غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد معه } .

وروى سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { هو أكثر جنود الله ، لا آكله ولا أحرمه } ، ولم يصح . بيد أن الخلفاء أكلته ، وهو من صيد البر فلا بد فيه من ذكاة على ما يأتي في سورة المائدة إن شاء الله تعالى .

فإن قيل : قد قال كعب : إنه نترة حوت . قلنا : لا ينبني على قول كعب حكم ; لأنه يحدث عما يلزمنا تصديقه ، ولا يجوز لنا تكذيبه ، وقد بيناه فيما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية