صفحة جزء
المسألة السابعة : قوله : { إن خفتم } : فشرط الله تعالى الخوف في القصر .

وقد اختلف العلماء في الشرط المتصل بالفعل ; هل يقتضي ارتباط الفعل به حتى يثبت بثبوته ويسقط بسقوطه ؟ فذهب بعض الأصوليين إلى أنه لا يرتبط به ، وهم نفاة دليل الخطاب ، ولا علم عندهم باللغة ولا بالكتاب . وقد بينا ذلك في المحصول بيانا شافيا . وعجبا لهم . { قال يعلى بن أمية لعمر بن الخطاب : إن الله تعالى يقول : { فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن حفتم } فها نحن قد أمنا . قال : عجبت مما عجبت منه . فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته . } [ ص: 617 ] وقال أمية بن عبد الله بن أسيد لعبد الله بن عمر : إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن ، ولا نجد صلاة السفر يعني نجد ذلك في هذه الآية . فقال : إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلينا ونحن لا نعلم شيئا ، فإنا نفعل كما رأيناه يفعل ; فهذه الصحابة الفصح ، والعرب تعرف ارتباط الشرط بالمشروط ، وتسلم فيه وتعجب منه ، وهؤلاء يريدون أن يبدلوا كلام العرب لأغراض صحيحة لا يحتاج إلى ذلك فيها ، فلينظر تحقيقه في كلامنا عليه .

ولقد انتهى الجهل بقوم آخرين إلى أن قالوا : إن الكلام قد تم في قوله : { من الصلاة } وابتدأ بقوله : { إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } وإن الواو زائدة في قوله : { وإذا كنت فيهم } وهذا كله لم يفتقر إليه عمر ولا ابنه ولا يعلى بن أمية معهما . وفي الصحيح عن حارثة بن وهب قال : { صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ، آمن ما كان الناس وأكثره ركعتين } ; فهؤلاء لما جهلوا القرآن والسنة تكلموا برأيهم في كتاب الله . وهذا نوع عظيم من تكلف القول في كتاب الله تعالى بغير علم ، وقول مذموم ، وليس بعد قول عمر وابن عمر مطلب لأحد إلا لجاهل متعسف أو فارغ متكلف ، أو مبتدع متخلف . وهذا كله يبين لك أن القصر فضل من الله سبحانه ورخصة لا عزيمة وهي :

التالي السابق


الخدمات العلمية