صفحة جزء
المسألة السابعة : قال المزني : لا يفتقر القصر والخوف إلى تجديد نية ، وهذه إحدى خطيئاته ; فله انفرادات يخرج فيها عن مقام المتثبتين . [ ص: 624 ] وهذا فاسد ; لأنها صلاة طارئة ، فلا بد لها من تجديد من نية كالجمعة . فإن قيل الجمعة بدل عن الظهر ، فلذلك افتقرت إلى نية محدودة . قلنا : ربما قلبنا الأمر ، فقلنا الجمعة أصل والظهر بدل ، فكيف يكون كلامهم ؟ الثاني : إنا نقول : وهبكم سلمنا لكم أن الجمعة بدل ، أليست صلاة القصر بدلا ، وصلاة الخوف بدلا آخر ؟ فإن الجمعة إنما قلنا إنها غير صلاة الظهر سواء جعلناها بدلا أو أصلا لأجل مخالفتها في الصفات والشروط والهيئات ، وهذا كله موجود هاهنا ; فوجب أن يكون غيره وأن تستأنف له نية .

المسألة الثامنة : قوله تعالى : { ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم } : نزل عليهم المطر ، ومرض عبد الرحمن بن عوف من جرح ، فرخص الله سبحانه لهم في ترك السلاح والتأهب للعدو بعذر المرض والمطر ; وهذا يدل على تأكيد التأهب والحذر من العدو وترك الاستسلام ; فإن الجيش ما جاءه قط مصاب إلا من تفريط في حذر .

المسألة التاسعة : قوله تعالى : { فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } . قال قوم : هذه الآية والتي في آل عمران سواء ، وهذا عندي بعيد ; فإن القول في هذه الآية دخل في أثناء صلاة الخوف ، فاحتمل أن يكون قوله سبحانه : { فإذا قضيتم الصلاة } أي فرغتم منها فافزعوا إلى ذكر الله ، وإن كنتم في هذه الحال ، كما قال : { فإذا فرغت فانصب } .

ويحتمل أن يريد فإذا قضيتم الصلاة إذا كنتم فيها قاضين لها ، فأتوها قياما وقعودا وعلى جنوبكم في أثناء الصلاة ومصافتكم للعدو وكركم وفركم ، والله أعلم . [ ص: 625 ]

والدليل عليه قوله تعالى بعد ذلك ، وهي : المسألة العاشرة : { فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة } : يعني بحدودها وأهبتها وكمال هيئتها في السفر وكمال عددها في الحضر ; ولذلك قال جماعة من السلف ، منهم إبراهيم ومجاهد : يصلي راحلا وراكبا ، كما جاء في سورة البقرة ، وما قدر يومئ إيماء كما جاء في هذه السورة ويكون في كل حالة حكم له آية أخرى تدل عليه وحكم ينفرد به .

المسألة الحادية عشرة : قوله تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } : قال العلماء : معناه مفروضا ، وزعم بعضهم أنه من الوقت ، وما أظنه ; لأنه استعمل في غير الزمان ; فإن في الحديث الصحيح : { وقت رسول الله لأهل المدينة ذا الحليفة } ; فدل أن معناه مفروضا حقيقة .

ومن قال : إنها منوطة بوقت فقد أخطأ ، وقد عولت عليه جماعة من المبتدعة في أن الصلاة مرتبطة بوقت إذا زال لم تفعل ، ونحن نقول : إن الوقت محل للفعل لا شرط فيه ، وإن الصلاة واجبة على المكلف لا تسقط عنه إلا بفعلها مضى الوقت أو بقي . ولا نقول إن القضاة بأمر ثان بحال . وقد ربطنا ذلك على وجهه في أصول الفقه .

وقد قال غيرهم : إن موقوتا محدودا بأقوال وأفعال وسنن وفرائض ; وكل ذلك سائغ لغة محتمل معنى . فإن قيل : فقد قال ابن مسعود : إن للصلاة وقتا كوقت الحج . قلنا : قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن وقت الصلاة وقت للذكر } ، وكما دام ذكرها وجب فعلها وأداؤها .

التالي السابق


الخدمات العلمية