صفحة جزء
المسألة السادسة : العقود : واحدها عقد ، وفي ذلك خمسة أقوال :

القول الأول : العقود : العهود ; قاله ابن عباس . [ ص: 6 ]

الثاني : حلف الجاهلية ; قاله قتادة .

وروي عن ابن عباس ، والضحاك ، ومجاهد ، والثوري .

الثالث : الذي عقد الله عليكم وعقدتم بعضكم على بعض ; قاله الزجاج .

الرابع : عقد النكاح والشركة واليمين والعهد والحلف ، وزاد بعضهم البيع ; قاله زيد بن أسلم .

الخامس : الفرائض ; قاله الكسائي ، وروى الطبري أنه أمر بالوفاء بجميع ذلك . قاله ابن العربي : وهذا الذي قاله الطبري صحيح ، ولكنه يحتاج إلى تنقيح وهي المسألة السابعة : [ في تنقيح قول الطبري ] : قال : وذلك أن أصل عهد في اللغة الإعلام بالشيء ، وأصل العقد الربط [ ص: 7 ] والوثيقة قال الله سبحانه : { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما } . وقال عبد الله بن عمر : " الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما ، هذا عهد نبينا إلينا وعهدنا إليكم " . وتقول العرب : عهدنا أمر كذا وكذا أي : عرفناه ، وعقدنا أمر كذا وكذا أي : ربطناه بالقول ، كربط الحبل بالحبل ; قال الشاعر :

قوم إذا عقدوا عقدا لجارهم شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا

وعهد الله إلى الخلق إعلامه بما ألزمهم وتعاهد القوم : أي أعلن بعضهم لبعض بما التزمه له وارتبط معه إليه وأعلمه به ; فبهذا دخل أحد اللفظين في الآخر ، فإذا عرفت هذا علمت أن الذي قرطس على الصواب هو أبو إسحاق الزجاج ; فكل عهد لله سبحانه أعلمنا به ابتداء ، والتزمناه نحن له ، وتعاقدنا فيه بيننا ، فالوفاء به لازم بعموم هذا القول المطلق الوارد منه سبحانه علينا في الأمر بالوفاء به .

وأما من خص حلف الجاهلية فلا قوة له إلا أن يريد أنه إذا لزم الوفاء به ، وهو من عقد الجاهلية ; فالوفاء بعقد الإسلام أولى ، وقد أمر الله سبحانه بالوفاء به ; قال [ ص: 8 ] الله تعالى : { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } قال ابن عباس : يعني من النصيحة والرفادة والنصرة ، وسقط الميراث خاصة بآية الفرائض وآية الأنفال . وقد قال النبي [ صلى الله عليه وسلم { المؤمنون عند شروطهم } ] .

وأما من قال عقد البيع وما ذكر معه ، فإنما أشار إلى عقود المعاملات وأسقط غيرها وعقود الله والنذور ; وهذا تقصير .

وأما قول الكسائي : الفرائض ، فهو أخو قول الزجاج ، ولكن قول الزجاج أوعب ; إذ دخل فيه الفرض المبتدأ والفرض الملتزم والندب ، ولم يتضمن قول الكسائي ذلك كله .

التالي السابق


الخدمات العلمية