صفحة جزء
وهذا هو أحد متعلقات الذكاة ، وهو القول في الذكاة ، وهو يتعلق بأربعة أنواع : المذكي ، والمذكى ، والآلة ، والتذكية نفسها .

فأما المذكى فيتعلق القول فيه بأنواع المحللات والمحرمات ، وسيأتي ذلك في سورة الأنعام إن شاء الله . وأما المذكي : وهو الذابح فبيانه فيها إن شاء الله .

وأما التذكية نفسها والآلة فهذا موضع ذلك : المسألة الحادية عشرة : في التذكية : وهي في اللغة عبارة عن التمام ، ومنه ذكاء السن ، ويقال : ذكيت النار إذا أتممت اشتعالها ، فقال بعضهم : لا بد أن تبقى في المذكاة بقية تشخب معها الأوداج ويضطرب اضطراب المذبوح .

وقد تقدم قوله في الحديث المتقدم الذي صرح فيه بأن الشاة أدركها الموت ، وهذا يمنع من شخب أوداجها ، وإنما أصاب الغرض مالك في قوله : إذا ذبحها ونفسها تجري وهي تضطرب إشارة إلى أنها وجد فيها قتل صار باسم الله المذكور عليها ذكاة ، أي [ ص: 27 ] تمام يحلها وتطهير لها ، كما جاء في الحديث في الأرض النجسة : { ذكاة الأرض يبسها } . وهي في الشرع عبارة عن إنهار الدم ، وفري الأوداج في المذبوح ، والنحر في المنحور ، والعقر في غير المقدور عليه كما تقدم ; مقرونا ذلك بنية القصد إليه . وذكر الله تعالى عليه كما يأتي بيانه في سورة الأنعام إن شاء الله تعالى .

والأصل في ذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه قيل له : إنا لاقو العدو غدا ، وليس معنا مدى ، أفنذبح بالقصب ؟ فقال : ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه فكلوه ، ليس السن والظفر . وسأخبركم : أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة } .

وروى النسائي ، وأبو داود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { أن عدي بن حاتم قال له : أرأيت إن أصاب أحدنا صيدا وليس معه سكين ، أنذبح بالمروة وشقة العصا ؟ قال : انهر الدم بما شئت ، واذكر اسم الله تعالى } . وقد تقدم في حديث جارية كعب بن مالك . [ ص: 28 ] والصحيح أنها ذبحت بمروة ، وأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم . المسألة الثانية عشرة : ليس في الحديث الصحيح ذكر الذكاة بغير إنهار الدم ، فأما فري الأوداج وقطع الحلقوم والمريء فلم يصح فيه شيء . وقال مالك وجماعة : لا تصح الذكاة إلا بقطع الحلقوم والودجين .

وقال الشافعي : يصح بقطع الحلقوم والمريء ولا يحتاج إلى الودجين بتفصيل قد ذكرناه في المسائل . وتعلق علماؤنا بحديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { افر الودجين واذكر اسم الله } .

ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء لا لنا ولا لهم ; وإنما المعول على المعنى ; فالشافعي اعتبر قطع مجرى الطعام والشراب الذي لا يكون معه حياة ، وهو الغرض من الموت . وعلماؤنا اعتبروا الموت على وجه يطيب معه اللحم ، ويفترق فيه الحلال وهو اللحم ، من الحرام ، وهو الدم بقطع الأوداج ; وهو مذهب أبي حنيفة . وعليه يدل صحيح الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم : { ما أنهر الدم } . وهذا بين لا غبار عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية