صفحة جزء
المسألة التاسعة : قوله تعالى : { والمحصنات من المؤمنات } قد تقدم ذكر ذلك في سورة النساء ، وبينا اختلاف العلماء واحتمال اللفظ لأن يكون المحصنات من المؤمنات الحرائر والعفائف . وقد روي عن عمر في ذلك روايات كثيرة في قصص مختلفة ; منها أن امرأة من همدان يقال لها نبيشة بغت ، فأرادت أن تذبح نفسها فأدركوها فقدوها ، فذكروه أيضا لعمر بن الخطاب فقال : " انكحوها نكاح الحرة العفيفة المسلمة " . وقال الشعبي : " إحصانها أن تغتسل من الجنابة وتحصن فرجها من الزنا " .

وسئل ابن عباس عن هذه النازلة فقال : من نساء أهل الكتاب من يحل لنا ، ومنهم من لا يحل لنا ، ثم تلا : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } إلى قوله : { حتى يعطوا الجزية عن يد } . قال : فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤهم ، ومن لم يعط لم يحل لنا نساؤه . ومن هاهنا يخرج أن نكاح إماء أهل الكتاب لا يجوز لأنهن لا جزية عليهن . [ ص: 46 ] فإن قيل : وكذلك الحرائر . قلنا : حلوا بدليل آخر . وقيل : عنى بذلك نساء بني إسرائيل دون سائر الأمم الذين دانوا بدين بني إسرائيل . والصحيح أنهم داخلون معهم في ذبائحهم ونكاحهم لقوله : فإنه منهم .

فإن قيل : فما المراد بقوله تعالى : { حتى يعطوا الجزية عن يد } هل المراد بذلك نفس الإعطاء والالتزام ، أو يكون المراد من تقبل منهم الجزية ؟ قلنا : أما مذهب ابن عباس فلقد تلوته عليكم .

وأما سائر العلماء فيقولون : إنما المراد من تقبل منه الجزية ; لقوله تعالى : { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } . وذكر الجزية إنما هو في القتال لا في النكاح ، إلا أن العلماء كرهوا نكاح الحربية لئلا يولد له فيهم فيتنصروا وتجري عليهم أحكامهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية