صفحة جزء
المسألة الموفية عشرين : قال لنا فخر الإسلام بمدينة السلام في الدرس : لما قال الله تعالى : { يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } كان معناه ضرورة اللغة : فاغسلوا وجوهكم لأجل الصلاة ; وذكر أمثلة بيناها في مسائل الخلاف ; فاقتضى الأمر بظاهره غسل الوجه للصلاة ، فمن غسله لغير ذلك لم يكن ممتثلا للأمر . وقد قال بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي ، هاهنا كلاما مختلا وهي :

المسألة الحادية والعشرون : ونصه : " ظن ظانون من أصحاب الشافعي الذين يوجبون النية في الوضوء أنه لما أوجب الوضوء عند القيام إلى الصلاة دل على أنه أوجبه لأجله ، وأنه أوجب به النية ; وهذا لا يصح ; فإن إيجاب الله سبحانه الوضوء لأجل الحدث لا يدل على أنه يجب [ ص: 55 ] عليه أن ينوي ذلك ، بل يجوز أن يجب لأجله ويحصل دون قصد تعليق الطهارة بالصلاة وبنيتها لأجله " إلى تخليط زيد عليه لا أرضى ذكره . قلنا : قوله : " ظن ظان أن الوضوء لما وجد عند القيام إلى الصلاة أنه وجب لأجله " . لم يظن أحد ذلك ، إنما قطع الاعتقاد به ، لقيام الدليل عليه . وقوله : " إنه أوجب له النية " .

قلنا له : هذا تلبيس ، وجوبه لأجله هو الذي يقتضي النية ضرورة فيه ، فإنه يلزمه أن يأتي بما أمر لمأمور به له . وقوله : " هذا لا يصح " . قلنا : لا يصح إلا هو . قوله : " فإن إيجاب الله الوضوء لأجل الحدث " . قلنا : هذا هوس ، لم يجب الوضوء لأجل الحدث . وقوله : " إنه لا يجب عليه أن ينوي ذلك " . قلنا : لا يجب عليه أن ينوي ماذا ؟ إن أردت الحدث ، فمن ذا الذي يقول به ؟ وإن أردت الصلاة فلا يعطي اللفظ والمعنى إلا وجوب النية لها . وقوله : " يجوز أن يجب لأجله ويحصل دون قصد " . قلنا : هذا لا نسلمه مطلقا إن أردت في العبادات فلا ، وإن أردت في غيرها فلا نبالي به . وقوله : " دون قصد " . إلى هنا انتهى كلامه المعقول لفظا المختل معنى . وأما قوله بعد ذلك تعليق الطهارة بالصلاة فكلام لا يعقل معناه لفظا ، فكيف معنى ؟ [ ص: 56 ]

المسألة الثانية والعشرون : هذا الذي زمزم به أنا أعرفه . قوله : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } لا يخلو من ستة أقسام :

الأول : أنه لا يربط غسل الوجه وما بعده بشيء مما تقدم .

الثاني : أنه يربطه بالقيام إلى الصلاة أو الحدث وبالصلاة ، وهو : الثالث ، أو بالصلاة وهو : الرابع ، أو بالكل وهو : الخامس ، أو ببعضه وهو : السادس .

فإن قيل : لم نربطه بشيء كان محالا لغة كما تقدم ، محالا بالإجماع ، فإنه قد ربط بما ربط على الاختلاف فيه ، وإن ربطه بالقيام إلى الصلاة فمحال ضرورة ; لأنه لا يمكن الجمع بينهما ، ومحال معنى ; لأن نفس القيام لا يقصد بذلك من الوضوء ، وقد بينا أن معناه إذا أردتم القيام ، ونفس الإرادة هي النية .

وأما إن أردت ربطه بالحديث فبالإجماع أن الوضوء يجب به ، لا من أجله . وإن قلتم بالصلاة فكذلك هو . وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله : { لا يقبل الله صلاة بغير طهور } . وإذا أمر بغسل الصلاة فلم يكن كذلك لم يمتثل ما أمر به ، وإن قال : إنه وجب لأجل الكل فقد تبين فساده ; وهذا تحقيق من كلامه في غرضه بعينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية