صفحة جزء
المسألة الرابعة : قرأها ابن مسعود : والسارق والسارقة بالنصب ، وروي عن عيسى بن عمر مثله . قال سيبويه هي أقوى ; لأن الوجه في الأمر والنهي في هذا النصب ; لأن حد [ ص: 105 ] الكلام تقدم الفعل ، وهو فيه أوجب ، وإنما قلت زيدا ضربه ، واضربه مشغوله ، لأن الأمر والنهي لا يكونان إلا بالفعل ، فلا بد من الإضمار ، وإن لم يظهر . قال القاضي : أصل الباب قد أحكمناه في الملجئة ، ونخبته أن كل فعل لا بد له من فاعل ومفعول ، فإذا أخبرت بهم أو عنهم خبرا غريبا كان على ست صيغ :

الأولى : ضرب زيد عمرا .

الثانية : زيد ضرب عمرا .

الثالثة : عمرا ضرب زيد .

الرابعة : ضرب عمرا زيد .

الخامسة : زيد عمرا ضرب .

السادسة : عمرا زيد ضرب . فالخامسة والسادسة نظم مهمل لا معنى له في العربية ، وجاء من هذا جواز تقديم المفعول ، كما جاز تقدم الفاعل ، بيد أنه إذا قدمت المفعول بقي بحاله إعرابا ، فإذا قدمت الفاعل خرج عن ذلك الحد في الإعراب ، وبقي المعنى المخبر عنه ، وحدث في ترتيب الخبر ما أوجب تغيير الإعراب ، وهو المعنى الذي يسمى الابتداء ، ثم يدخل على هذا الباب الأدوات التي وضعت لترتيب المعاني وهي كثيرة أو المقاصد وهي أصل في التغيير ، ومنها وضع الأمر موضع الخبر ، تقول : اضرب زيدا . ولما كان الأمر استدعاء إيقاع الفعل بالمفعول ، ولم يكن بعد هنالك فاعل سقط في إسناد الفعل ، وثبت في تعلق الخطاب به وارتباطه ، وتكون له صيغتان : إحداهما هذه .

والثانية : زيدا اضرب ، كما كان في الخبر ; ولا يتصور صيغة ثالثة ، فلما جاز تقديمه مفعولا كان ظاهر أمره ألا يأتي إلا منصوبا على حكم تقدير المفعول ، ولكن رفعوه لأن الفعل لم يقع عليه بعد ، وإنما يطلب وقوعه به فيخبر عنه ، ثم يقتضي الفعل فيه ، فإن اقتضى ولم يخبر لم يكن إلا منصوبا ، وإن أخبر ولم يقتض لم يكن إلا مرفوعا ، فهما إعرابان لمعنيين ، فلم يكن أحدهما أقوى من الآخر . [ ص: 106 ] تتميم : فإذا ثبت هذا فقلت : زيد فاضربه فإن نصبته فعلى تقدير فعل ، وإن رفعته فعلى تقدير الابتداء ، ويترتب على قصد المخبر ، ويكون تقديره مع النصب اضرب زيدا فاضربه ، فأما إذا طال الكلام فقلت : زيدا فاقطع يده كان النصب أقوى ; لأن الكلام يطول فيقبح الإضمار فيه لطوله . وهذا قالب سيبويه أفرغنا عليه . وأقول : إن الكلام إذا كان فيه معنى الجزاء ، أو كانت الفاء فيه منزلة على تقدير جوابه فإن الرفع فيه أعلى ; لأن الابتداء يكون له ، فلا يبقى لتقدير المفعول إلا وجه بعيد ; فهذا منتهى القول على الاختصاص . والله عز وجل أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية