صفحة جزء
المسألة الثانية : تعلق أبو حنيفة وغيره بهذه الآية ، فقال : يقتل المسلم بالذمي ; لأنه نفس بنفس . قالت له الشافعية : هذا خبر عن شرع من قبلنا وشرع من قبلنا ليس شرعا لنا . وقلنا نحن له : هذه الآية ، إنما جاءت للرد على اليهود في المفاضلة بين القبائل وأخذهم من قبيلة رجلا برجل ، ونفسا بنفس ، وأخذهم من قبيلة أخرى نفسين بنفس ، فأما اعتبار أحوال النفس الواحدة بالنفس الواحدة فليس له تعرض في ذلك ، ولا سيقت الآية له ، وإنما تحمل الألفاظ على المقاصد . [ ص: 129 ] جواب آخر : وذلك أن هذا عموم يدخله التخصيص بما روى أبو داود والترمذي والنسائي ، وبعضهم أوعب من بعض ; { عن علي ، وقد سئل : هل خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ؟ قال : لا ، إلا ما في هذا ، وأخرج كتابا من قراب سيفه ، وإذا فيه : المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، وهم يد على من سواهم ، ألا لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده } . جواب ثالث : وذلك أن الله سبحانه قال في سورة البقرة : { ولكم في القصاص حياة } . وقال : { كتب عليكم القصاص في القتلى } فاقتضى لفظ القصاص المساواة ، ولا مساواة بين مسلم وكافر ; لأن نقص الكفر المبيح للدم موجود به ، فلا تستوي نفس مبيحها معها مع نفس قد تطهرت عن المبيحات ، واعتصمت بالإيمان الذي هو أعلى العصم . وقد ذكر بعض علمائنا في ذلك نكتة حسنة ، قال : إن الله تعالى قال : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } ، فأخبر أنه فرض عليهم في ملتهم أن كل نفس منهم تعادل نفسا ; فإذا التزمنا نحن ذلك في ملتنا على أحد القولين وهو الصحيح كان معناه أن في ملتنا نحن أيضا أن كل نفس منا تقابل نفسا ، فأما مقابلة كل نفس منا بنفس منهم فليس من مقتضى الآية ، ولا من مواردها .

التالي السابق


الخدمات العلمية