صفحة جزء
المسألة السابعة : قوله تعالى : { عقدتم الأيمان } فيه ثلاث قراءات : عقدتم بتشديد القاف ، وعقدتم بتخفيف القاف ، وعاقدتم بالألف .

فأما التخفيف فهو أضعفها رواية وأقواها معنى ; لأنه فعلتم من العقد ، وهو المطلوب . وإذا قرئ عاقدتم فهو فاعلتم ، وذلك يكون من اثنين ، وقد يكون الثاني من حلف لأجله في كلام وقع معه ، وقد يعود ذلك إلى المحلوف عليه فإنه ربط به اليمين ، وقد يكون فاعل بمعنى فعل ، كقولك : طارق النعل ، وعاقب اللص ، في أحد الوجهين في اللص خاصة .

وإذا قرأ عقدتم بتشديد القاف فقد اختلف العلماء في تأويله على أربعة أقوال :

الأول : قال مجاهد : تعمدتم .

الثاني : قال الحسن : معناه ما تعمدت به المأثم فعليك فيه الكفارة .

الثالث : قال ابن عمر : التشديد يقتضي التكرار ، فلا تجب عليه الكفارة إلا إذا كرر اليمين .

الرابع : قال مجاهد : التشديد للتأكيد ، وهو قوله : والله الذي لا إله إلا هو .

قال ابن العربي : أما قول مجاهد : ما تعمدتم فهو صحيح يعني ما قصدتم إليه احترازا من اللغو . وأما قول الحسن ما تعمدتم فيه المأثم فيعني به مخالفة اليمين ، فحينئذ تكون الكفارة [ ص: 151 ] وهذان القولان حسنان يفتقران إلى تحقيق ، وهو بيان وجه التشديد ، فإن ابن عمر حمله على التكرار ، وهو قول لم يصح عنه لضعفه . فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني } . فذكر وجوب الكفارة في اليمين التي لم تتكرر .

وأما قول مجاهد : إن التشديد في التأكيد محمول على تكرار الصفات ; فإن قولنا : " والله " يقتضي جميع أسماء الله الحسنى وصفاته العليا ، فإذا ذكر شيئا من ذلك فقد تضمنه قوله : والله .

فإن قيل : فما فائدة التغليظ بالألفاظ ؟ قلنا : لا تغليظ عندنا بالألفاظ . وقد تقدم بيانه . وإن غلظنا فليس على معنى أن ما ليس بمغلظ ليس بيمين ، ولكن على معنى الإرهاب على الحالف فإنه كلما ذكر بلسانه الله تعالى حدث له غلبة حال من الخوف ، وربما اقتضت له رعدة ، وقد يرهب بها على المحلوف له ، كقوله صلى الله عليه وسلم لليهود : { والله الذي لا إله إلا هو } فأرهب عليهم بالتوحيد ، لاعتقادهم أن عزيرا ابن الله .

والذي يتحصل من ذلك أن التشديد على وجه صحيح ; فإن المرء يعقد على المعنى بالقصد إليه ، ثم يؤكد الحلف بقصد آخر ، فهذا هو العقد الثاني الذي حصل به التكرار أو التأكيد ، بخلاف اللغو فإنه قصد اليمين وفاته التأكيد بالقصد الصحيح إلى المحلوف عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية