صفحة جزء
1199 - ( وعن أبي موسى رضي الله عنه { أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ساعة الجمعة : هي ما بين أن يجلس الإمام ، يعني على المنبر إلى أن يقضي الصلاة } . رواه مسلم وأبو داود ) .

[ ص: 291 ] وعن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله تعالى العبد فيها شيئا إلا آتاه إياه قالوا : يا رسول الله أية ساعة هي ؟ قال : حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها } رواه ابن ماجه والترمذي ) .


الحديث الأول مع كونه في صحيح مسلم قد أعل بالانقطاع والاضطراب . أما الانقطاع فلأن مخرمة بن بكير رواه عن أبيه بكير بن عبد الله بن الأشج وهو لم يسمع من أبيه ، قاله أحمد عن حماد بن خالد عن مخرمة نفسه .

وقال سعيد بن أبي مريم : سمعت خالي موسى بن سلمة قال : أتيت مخرمة بن بكير فسألته أن يحدثني عن أبيه فقال : ما سمعت من أبي شيئا إنما هذه كتب وجدناها عندنا عنه ما أدركت أبي إلا وأنا غلام .

وفي لفظ : لم أسمع من أبي وهذه كتبه وقال علي بن المديني : سمعت معنا يقول : مخرمة سمع من أبيه ، قال : ولم أجد أحدا بالمدينة يخبر عن مخرمة أنه كان يقول في شيء : سمعت أبي ، قال علي : ومخرمة ثقة . وقال ابن معين ، يخبر عن مخرمة : مخرمة ضعيف الحديث ليس حديثه بشيء .

قال في الفتح : ولا يقال : مسلم يكتفي في المعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة ، وهو كذلك هنا لأنا نقول : وجود التصريح من مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع ا هـ . وأما الاضطراب فقال العراقي : إن أكثر الرواة جعلوه من قول أبي بردة مقطوعا ، وأنه لم يرفعه غير مخرمة عن أبيه ، وهذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم فقال : لم يسنده غير مخرمة عن أبيه عن أبي بردة قال : ورواه حماد عن أبي بردة من قوله ، ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه . قال : والصواب أنه من قول أبي بردة ، وتابعه واصل الأحدب ومجالد ، روياه عن أبي بردة من قوله . وقال النعمان بن عبد السلام عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه موقوف ، ولا يثبت قوله عن أبيه .

انتهى كلام الدارقطني وأجاب النووي في شرح مسلم عن ذلك بقوله : وهذا الذي استدركه بناء على القاعدة المعروفة ، ولأكثر المحدثين أنه إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع أو إرسال واتصال حكموا بالوقف والإرسال وهي قاعدة ضعيفة ممنوعة . قال : والصحيح طريقة الأصوليين والفقهاء والبخاري ومسلم ومحققي المحدثين أنه يحكم بالرفع والاتصال لأنها زيادة ثقة انتهى والحديث الثاني المذكور في الباب حسنه الترمذي ، وفي إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف .

وقد اتفق أئمة الجرح والتعديل على ضعفه ، والترمذي قد شرط في حد الحسن أن لا يكون في إسناده من يتهم [ ص: 292 ] بالكذب ، وكثير هنا قال الشافعي فيه وأبو داود : إنه ركن من أركان الكذب ، وقد حسن له الترمذي مع هذا عدة أحاديث وصحح له حديث { الصلح جائز بين المسلمين } قال الذهبي في الميزان : فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي قال العراقي : لا يقبل هذا الطعن منه في حق الترمذي ، وإنما جهل الترمذي من لا يعرفه كابن حزم وإلا فهو إمام معتمد عليه ، ولا يمتنع أن يخالف اجتهاده اجتهاد غيره في بعض الرجال ، وكأنه رأى ما رآه البخاري ، فإنه روي عنه أنه قال في حديث كثير عن أبيه عن جده في تكبير العيدين : إنه حديث حسن ، ولعله إنما حكم عليه بالحسن باعتبار الشواهد ، فإنه بمعنى حديث أبي موسى المذكور في الباب ، فارتفع بوجود حديث شاهد له إلى درجة الحسن وقد رواه البيهقي ، ورواه أيضا ابن أبي شيبة من طريق مغيرة عن واصل الأحدب عن أبي بردة من قوله ، وإسناده قوي .

والحديثان يدلان على أن ساعة الإجابة هي وقت صلاة الجمعة من عند صعود الإمام المنبر أو من عند الإقامة إلى الانصراف منها ، وقد تقدم أن الأحاديث المصرحة بأنها بعد العصر أرجح وسيأتي ذكرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية