صفحة جزء
باب انفضاض العدد في أثناء الصلاة أو الخطبة

1263 - ( عن جابر رضي الله عنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة فجاءت عير من الشام ، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا ، فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما } } . رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه .

وفي رواية : { أقبلت عير ونحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة ، فانفض الناس إلا اثني عشر رجلا ، فنزلت هذه الآية { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما } } . رواه أحمد والبخاري ) .


قوله : ( { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما } ) ظاهره أن الانفضاض وقع حال الخطبة ، وظاهر قوله في الرواية الأخرى " ونحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم " أن الانفضاض وقع بعد دخولهم في الصلاة . ويؤيد الرواية الأولى ما عند أبي عوانة من طريق عباد بن العوام . وعند ابن حميد من طريق سليمان بن كثير ، كلاهما عن حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بلفظ " يخطب " وكذا وقع في حديث . ابن عباس عند البزار .

وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط . وفي مرسل قتادة عند الطبراني وغيره ، وعلى هذا فقوله " نصلي " أي ننتظر الصلاة ، وكذا يحمل قوله " بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة " كما وقع في مستخرج أبي نعيم على أن يقول في الصلاة : أي في الخطبة ، وهو من تسمية الشيء باسم ما يقارنه . وبهذا يجمع بين الروايات ويؤيده استدلال ابن مسعود على القيام في الخطبة بالآية المذكورة كما أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح ، وكذلك استدلال كعب بن عجرة كما في صحيح مسلم على ذلك . قوله : ( فجاءت عير من الشام ) العير بكسر العين : الإبل التي تحمل التجارة طعاما كانت أو غيره ، وهي مؤنثة لا واحد لها [ ص: 332 ] من لفظها ولابن مردويه عن ابن عباس " جاءت عير لعبد الرحمن بن عوف " . ووقع عند الطبراني عن أبي مالك أن الذي قدم بها من الشام دحية بن خليفة الكلبي ، وكذلك في حديث ابن عباس عند البزار وجمع بين الروايتين بأن التجارة كانت لعبد الرحمن وكان دحية السفير فيها ، أو كان مقارضا . ووقع في رواية ابن وهب عن الليث أنها كانت لوبرة الكلبي ، ويجمع بأنه كان رفيق دحية قوله : ( فانفتل الناس إليها ) وفي الرواية الأخرى " فانفض الناس إليها " وهو موافق للفظ القرآن .

وفي رواية للبخاري " فالتفتوا إليها " والمراد بالانفتال والالتفات : الانصراف ، يدل على ذلك رواية " فانفض " وفيه رد على من حمل الالتفات على ظاهره . وقال : لا يفهم منه الانصراف عن الصلاة وقطعها ، وإنما يفهم منه التفاتهم بوجوههم أو بقلوبهم . وأيضا لو كان الالتفات على ظاهره لما وقع الإنكار الشديد لأنه لا ينافي الاستماع للخطبة .

قوله : ( إلا اثنا عشر رجلا ) قال الكرماني : ليس هذا الاستثناء مفرغا فيجب رفعه ، بل هو من ضمير " لم يبق العائد " إلى الناس فيجوز فيه الرفع والنصب . قال : وثبت الرفع في بعض الروايات . ووقع عند الطبراني " إلا أربعين رجلا " . وقال : تفرد به علي بن عاصم ، وهو ضعيف الحفظ ، وخالفه أصحاب حصين كلهم .

ووقع عند ابن مردويه من رواية ابن عباس " وسبع نسوة " بعد قوله : " إلا اثنا عشر رجلا " .

وفي تفسير إسماعيل بن زياد الشامي " وامرأتان " وقد سمي من الجماعة الذين لم ينفضوا أبو بكر وعمر عند مسلم .

وفي رواية له أن جابرا قال : أنا فيهم .

وفي تفسير الشامي أن سالما مولى أبي حذيفة منهم وروى العقيلي عن ابن عباس أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناسا من الأنصار .

وروى السهيلي بسند منقطع : إن الاثني عشر هم العشرة المبشرون بالجنة وبلال وابن مسعود . قال : وفي رواية : عمار بدل ابن مسعود . قال في الفتح : ورواية العقيلي أقوى وأشبه قوله : ( فأنزلت هذه الآية ) ظاهر في أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة . والمراد باللهو على هذا ما ينشأ من رؤية القادمين وما معهم . ووقع عند الشافعي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا { كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة وكان لهم سوق كانت بنو سليم يجلبون إليه الخيل والإبل والسمن ، فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوه قائما وكان لهم لهو يضربونه فنزلت } ، ووصله أبو عوانة في صحيحه قوله : ( انفضوا إليها ) قيل النكتة في عود الضمير إلى التجارة دون اللهو أن اللهو لم يكن مقصودا ، وإنما كان تبعا للتجارة .

وقيل : حذف ضمير أحدهما لدلالة الآخر عليه . وقال الزجاج : أعيد الضمير إلى المعنى : أي انفضوا إلى الرؤية . والحديث استدل به من قال : إن عدد الجمعة اثنا عشر رجلا وقد تقدم بسط الكلام في ذلك . .

وقد استشكل الأصيلي حديث الباب فقال : إن الله تعالى قد وصف [ ص: 333 ] أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، ثم أجاب باحتمال أن يكون هذا الحديث قبل نزول الآية . قال الحافظ : وهذا الذي يتعين المصير إليه مع أنه ليس في آية النور التصريح بنزولها في الصحابة وعلى تقدير ذلك فلم يكن تقدم لهم نهي عن ذلك ، فلما نزلت آية الجمعة وفهموا منها ذم ذلك اجتنبوه ، فوصفوا بعد ذلك بما في آية النور .

التالي السابق


الخدمات العلمية