صفحة جزء
باب مخالفة الطريق في العيد والتعييد في الجامع للعذر

1278 - ( عن جابر رضي الله عنه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق . } رواه البخاري ) .

1279 - ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى العيد يرجع في غير الطريق الذي خرج فيه . } رواه أحمد ومسلم والترمذي ) .

1280 - ( وعن ابن عمر رضي الله عنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يوم العيد في طريق ثم رجع في طريق آخر . } رواه أبو داود وابن ماجه ) .


حديث أبي هريرة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم ، وقد عزاه المصنف إلى مسلم ولم نجد له موافقا على ذلك ولا رأينا الحديث في صحيح مسلم . وقد رجح البخاري في صحيحه حديث جابر المذكور في الباب على حديث أبي هريرة وقال : إنه أصح . وحديث ابن عمر رجال إسناده عند ابن ماجه ثقات ، وكذلك عند أبي داود رجاله رجال الصحيح ، وفيه عبد الله بن عمر العمري وفيه مقال وقد أخرج له مسلم ، وقد رواه أيضا الحاكم .

وفي الباب عن أبي رافع عند ابن ماجه ، وقد تقدم في باب الخروج إلى العيد ماشيا . وعن سعد بن أبي وقاص عند البزار في مسنده ، وقد تقدم أيضا هنالك .

وعن بكر بن مبشر عند أبي داود قال : { كنت أغدو مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر ويوم الأضحى فنسلك بطن بطحان حتى نأتي المصلى فنصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم نرجع من بطن بطحان إلى بيوتنا } قال ابن السكن : وإسناده صالح وعن سعد القرظ وقد تقدم في باب الخروج إلى العيد ماشيا أيضا .

وعن عبد الرحمن بن حاطب عند الطبراني في الكبير قال : قال { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأتي العيد يذهب في طريق ويرجع في آخر } وفي إسناده خالد بن إلياس وهو ضعيف .

وعن معاذ بن عبد الرحمن التيمي عن أبيه عن جده عند الشافعي أنه { رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجع من المصلى في يوم عيد فسلك على النجارين من أسفل السوق ، حتى إذا كان عند مسجد الأعرج الذي هو موضع البركة التي بالسوق [ ص: 346 ] قام فاستقبل فج أسلم ، فدعا ثم انصرف } قال الشافعي : فأحب أن يصنع الإمام مثل هذا ، وأن يقف في موضع فيدعو الله مستقبل القبلة وفي إسناد الحديث إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى ، وثقه الشافعي وضعفه الجمهور . وأحاديث الباب تدل على استحباب الذهاب إلى صلاة العيد في طريق والرجوع في طريق أخرى للإمام والمأموم ، وبه قال أكثر أهل العلم كما في الفتح .

وقد اختلف في الحكمة في مخالفته صلى الله عليه وسلم الطريق في الذهاب والرجوع يوم العيد على أقوال كثيرة . قال الحافظ : اجتمع لي منها أكثر من عشرين قولا . قال : قال القاضي عبد الوهاب المالكي : ذكر في ذلك فوائد بعضها قريب وأكثرها دعاوى فارغة ا هـ . قال في الفتح : فمن ذلك أنه فعل ذلك ليشهد له الطريقان ، وقيل : سكانهما من الجن والإنس .

وقيل : ليسوي بينهما في مزية الفضل بمروره ، أو في التبرك به ، أو لتشم رائحة المسك من الطريق التي يمر بها ; لأنه كان معروفا بذلك . وقيل : لأن طريقه إلى المصلى كانت على اليمين ، فلو رجع منها لرجع إلى جهة الشمال فرجع من غيرها ، وهذا يحتاج إلى دليل . وقيل : لإظهار شعار الإسلام فيهما . وقيل : لإظهار ذكر الله تعالى . وقيل : ليغيظ المنافقين واليهود .

وقيل : ليرهبهم بكثرة من معه ، ورجحه ابن بطال . وقيل : حذرا من كيد الطائفتين أو إحداهما ، وفيه نظر ; لأنه لو كان كذلك لم يكرره . قال ابن التين : وتعقب أنه لا يلزم من مواظبته على مخالفة الطريق المواظبة على طريق منها معين ، لكن في رواية الشافعي من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب مرسلا : { أنه صلى الله عليه وسلم كان يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الأعظم ويرجع من الطريق الآخر } وهذا لو ثبت لقوي بحث ابن التين .

وقيل : فعل ذلك ليعمهم بالسرور به والتبرك بمروره ورؤيته والانتفاع به في قضاء حوائجهم في الاستفتاء أو التعليم أو الاقتداء أو الاسترشاد أو الصدقة أو السلام عليهم أو غير ذلك . وقيل : ليزور أقاربه الأحياء والأموات . وقيل : ليصل رحمه . وقيل : للتفاؤل بتغيير الحال إلى المغفرة والرضا .

وقيل : كان في ذهابه يتصدق ، فإذا رجع لم يبق معه شيء فرجع من طريق آخر لئلا يرد من سأله ، وهذا ضعيف جدا مع احتياجه إلى الدليل . وقيل : فعل ذلك لتخفيف الزحام ، وهذا رجحه الشيخ أبو حامد وأيده المحب الطبري بما رواه البيهقي من حديث ابن عمر فقال فيه : " ليسع الناس " وتعقب بأنه ضعيف وبأن قوله : " يسع الناس " يحتمل أن يفسر ببركته وفضله ، وهو الذي رجحه ابن التين .

وقيل : كان طريقه التي يتوجه منها أبعد من التي يرجع فيها ، فأراد تكثير الأجر بتكثير الخطا في الذهاب . وأما في الرجوع فليسرع إلى منزله وهذا اختيار الرافعي .

وتعقب بأنه يحتاج إلى دليل ، وبأن أجر الخطا يكتب في الرجوع أيضا كما ثبت في حديث أبي بن [ ص: 347 ] كعب عند الترمذي وغيره ، فلو عكس ما قال لكان له اتجاه ، ويكون سلوك الطريق القريبة للمبادرة إلى فعل الطاعة وإدراك الفضيلة أول الوقت . وقيل : إن الملائكة تقف في الطرقات فأراد أن يشهد له فريقان منهم . وقال ابن أبي حمزة : هو في معنى قول يعقوب لبنيه { لا تدخلوا من باب واحد } وأشار إلى أنه فعل ذلك حذر إصابة العين .

وأشار صاحب الهدي إلى أنه فعل ذلك لجميع ما ذكر من الأشياء المحتملة القريبة . انتهى . كلام الفتح .

التالي السابق


الخدمات العلمية