صفحة جزء
باب استحباب الخطبة يوم النحر

1300 - ( عن الهرماس بن زياد رضي الله عنه قال : { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى } رواه أحمد وأبو داود ) .

1301 - ( وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : { سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى يوم النحر } رواه أبو داود ) . [ ص: 364 ]

1302 - ( وعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي رضي الله عنه قال : { خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ، ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا ، فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار ، فوضع أصبعيه السبابتين ثم قال : بحصى الخذف ، ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد ، وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد ، ثم نزل الناس بعد ذلك } رواه أبو داود والنسائي بمعناه ) .


الأحاديث الثلاثة سكت عنها أبو داود والمنذري ، ورجال إسناد الحديث الأول ثقات وكذلك رجال إسناد الحديث الثاني ، وكذلك رجال إسناد الحديث الثالث .

وفي الباب عن رافع بن عمرو المزني عند أبي داود والنسائي . وعن أبي سعيد عند النسائي وابن ماجه وابن حبان وأحمد . وعن ابن عباس عند البخاري ، وله حديث آخر عند الطبراني . وعن أبي كاهل الأحمسي عند النسائي وابن ماجه وعن أبي بكرة وسيأتي . وعن ابن عمر عند البخاري . وعن ابن عمرو بن العاص عند البخاري أيضا وغيره . وعن جابر عند أحمد . وعن أبي حرة الرقاشي عن عمه عند أحمد أيضا . وعن كعب بن عاصم عند الدارقطني .

وأحاديث الباب تدل على مشروعية الخطبة في يوم النحر ، وهي ترد على من زعم أن يوم النحر لا خطبة فيه للحاج ، وأن المذكور في أحاديث الباب إنما هو من قبيل الوصايا العامة ، لا أنه خطبة من شعار الحج . ووجه الرد أن الرواة سموها خطبة كما سموا التي وقعت بعرفات خطبة ، وقد اتفق على مشروعية الخطبة بعرفات ، ولا دليل على ذلك إلا ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه خطب بعرفات .

والقائلون بعدم مشروعية الخطبة يوم النحر هم المالكية والحنفية ، وقالوا : خطب الحج ثلاث : سابع ذي الحجة ، ويوم عرفة ، وثاني يوم النحر ، ووافقهم الشافعي إلا أنه قال ، بدل ثاني النحر : ثالثه ، وزاد خطبة رابعة وهي يوم النحر ، قال : وبالناس إليها حاجة ليعملوا أعمال ذلك اليوم من الرمي والذبح والحلق والطواف ، واستدل بأحاديث الباب . وتعقبه الطحاوي بأن الخطبة المذكورة ليست من متعلقات الحج ; لأنه لم يذكر فيها شيئا من أعمال الحج ، وإنما ذكر وصايا عامة كما تقدم . قال : ولم ينقل أحد أنه علمهم فيها شيئا مما يتعلق بالحج يوم النحر فعرفنا أنها لم تقصد لأجل الحج .

وقال ابن القصار : إنما فعل ذلك من أجل تبليغ ما ذكره لكثرة الجمع الذي اجتمع من أقاصي الدنيا ، فظن الذي رآه أنه خطب .

قال : وأما ما ذكره الشافعي أن بالناس حاجة إلى تعليمهم أسباب التحلل المذكورة فليس بمتعين ; لأن الإمام يمكنه أن يعلمهم إياها بمكة أو يوم عرفة انتهى . وأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم نبه في الخطبة المذكورة [ ص: 365 ] على تعظيم يوم النحر وعلى تعظيم عشر ذي الحجة ، وعلى تعظيم البلد الحرام . وقد جزم الصحابة المذكورون بتسميتها خطبة كما تقدم فلا تلتفت إلى تأويل غيرهم .

وما ذكره من إمكان تعليم ما ذكر يوم عرفة يعكر عليه كونه يرى مشروعية الخطبة ثاني يوم النحر ، وكان يمكن أن يعلموا يوم التروية جميع ما يأتي بعده من أعمال الحج ، لكن لما كان في كل يوم أعمال ليست في غيره ، شرع تجديد التعليم بحسب تجدد الأسباب .

وقد بين الزهري - وهو عالم أهل زمانه - أن الخطبة ثاني يوم النحر نقلت من خطبة يوم النحر ، وأن ذلك من عمل الأمراء يعني بني أمية ، كما أخرج ذلك ابن أبي شيبة عنه ، وهذا وإن كان مرسلا لكنه معتضد بما سبق ، وبان به أن السنة الخطبة يوم النحر لا ثانيه . وأما قول الطحاوي : إنه لم يعلمهم شيئا من أسباب التحلل ، فيرده ما عند البخاري من حديث ابن عمرو بن العاص : { أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم النحر } ، وذكر فيه السؤال عن تقديم بعض المناسك .

وثبت أيضا في بعض أحاديث الباب : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خذوا عني مناسككم " فكأنه وعظهم وأحال في تعليمهم على تلقي ذلك من أفعاله .

قوله : ( ونحن بمنى ) أيام منى أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام بعده . وأحاديث الباب مصرحة بيوم النحر فيحمل المطلق على المقيد ويتعين يوم النحر قوله : ( ثم قال بحصى الخذف ) فيه استعارة القول للفعل ، وهو كثير في السنة ، والمراد أنه وضع إحدى السبابتين على الأخرى ليريهم أنه يريد حصى الخذف ، والخذف بالخاء والذال المعجمتين ، ويروى بالحاء المهملة والأول أصوب . قال الجوهري في فصل الحاء : حذفته بالعصا : أي رميته بها ، وفي فصل الخاء المعجمة الخذف بالحصى : الرمي به بالأصابع .

وسيأتي ذكر مقدار حصى الحذف في باب استحباب الخطبة يوم النحر من كتاب الحج ، ; لأن المصنف رحمه اللهسيكرر هذه الأحاديث المذكورة في هذا الباب جميعها هنالك . وسنشرح هنالك ما لم نتعرض لشرحه ههنا من ألفاظ هذه الأحاديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية