صفحة جزء
باب تحويل الإمام والناس أرديتهم في الدعاء وصفته ووقته

1356 - ( عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال { : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استسقى لنا أطال الدعاء وأكثر المسألة قال : ثم تحول إلى القبلة وحول رداءه فقلبه ظهرا لبطن وتحول الناس معه } رواه أحمد وفي رواية : { خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما يستسقي فحول رداءه وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر ، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ، ثم دعا الله عز وجل } . رواه أبو داود وفي رواية : { أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى وعليه خميصة له سوداء ، فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها ، فثقلت عليه ، فقلبها الأيمن على الأيسر ، والأيسر على الأيمن } رواه أحمد وأبو داود ) . .


حديث عبد الله بن زيد أصله في الصحيح وله ألفاظ : منها هذه الروايات التي أوردها [ ص: 16 ] المصنف ومنها ألفاظ أخر ، وقد سبق بعضها في باب صفة صلاة الاستسقاء ، ورجال أبي داود رجال الصحيح قوله : ( ثم تحول إلى القبلة ) في لفظ للبخاري " ثم حول إلى الناس ظهره " فيه استحباب استقبال القبلة حال تحويل الرداء ، وقد سبق بيان الحكمة في ذلك ومحل هذا التحويل بعد الفراغ من الخطبة وإرادة الدعاء كما في الفتح قوله : ( وحول رداءه ) ذكر الواقدي أن طول ردائه صلى الله عليه وسلم كان ستة أذرع في عرض ثلاثة أذرع ، وطول إزاره أربعة أذرع وشبر في ذراعين وشبر . انتهى .

وقد اختلفت الروايات ففي بعضها أنه صلى الله عليه وسلم حول رداءه ، وفي بعضها أنه قلبه ، وفسر التحويل في هذه الرواية بالقلب فدل ذلك على أنهما بمعنى واحد كما قال الزين بن المنير واختلف في حكمة التحويل ; فجزم المهلب أنه للتفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه وتعقبه ابن العربي بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه قال : وإنما التحويل أمارة بينه وبين ربه قيل له : حول رداءك لتحول حالك قال الحافظ : وتعقب بأن الذي جزم به يحتاج إلى نقل ، والذي رده ورد فيه حديث رجاله ثقات ، أخرجه الدارقطني والحاكم من طريق جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر ، ورجح الدارقطني إرساله ، وعلى كل حال فهو أولى من القول بالظن وقال بعضهم : إنما حول رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع يديه في الدعاء فلا يكون سنة في كل حال ، وأجيب بأن التحويل من جهة إلى جهة لا يقتضي الثبوت على العاتق ، فالحمل على المعنى الأول أولى ، فإن الاتباع أولى من تركه برد احتمال الخصوص انتهى وقد اختلف في صفة التحويل ، فقال الشافعي ومالك : هو جعل الأسفل أعلى مع التحويل . وروى القرطبي عن الشافعي أنه اختار في الجديد تنكيس الرداء لا تحويله ، والذي في الأم هو الأول وذهب الجمهور إلى استحباب التحويل فقط .

واستدل الشافعي ومالك بهمه صلى الله عليه وسلم بقلب الخميصة ; لأنه لم يدع ذلك إلا لثقلها كما في الرواية المذكورة في الباب قال في الفتح : ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط انتهى وذلك ; لأنه اختار الجمع بين التحويل والتنكيس كما تقدم ، وإذا كان مذهبه ما رواه عنه القرطبي فليس بأحوط . واستدل الجمهور بقوله في رواية حديث الباب : " فجعل عطافه الأيمن . . . إلخ " وبقوله : " فقلبها الأيمن على الأيسر . . . إلخ " قال الغزالي في صفة التحويل : أو يجعل الباطن ظاهرا ، وهو ظاهر قوله : " فقلبه ظهرا لبطن " أي جعل ظاهره باطنا وباطنه ظاهرا وقال أبو حنيفة وبعض المالكية : إنه لا يستحب شيء من ذلك ، وخالفهم الجمهور . قوله : ( وتحول الناس معه ) هكذا رواه المصنف رحمه الله تعالى ، ورواه غيره بلفظ " وحول " وفيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من استحباب تحويل الناس بتحويل الإمام .

وقال الليث وأبو يوسف : يحول الإمام وحده ، وظاهر قوله : " ويحول الناس " أنه يستحب ذلك [ ص: 17 ] للنساء وقال ابن الماجشون : لا يستحب في حقهن قوله : ( وعليه خميصة ) قال في القاموس : الخميصة : كساء أسود مربع له علمان انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية