صفحة جزء
باب المبادرة إلى تجهيز الميت وقضاء دينه

1370 - ( عن الحصين بن وحوح : { أن طلحة بن البراء مرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقال : إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا ، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهري أهله } رواه أبو داود ) .


الحديث وسكت عنه أبو داود وقال المنذري : قال أبو القاسم البغوي : ولا أعلم أحدا روى هذا الحديث غير سعيد بن عثمان البلوي ، وهو غريب ا هـ . وقد وثق سعيدا المذكور ابن حبان [ ص: 30 ] ولكن في إسناد هذا الحديث عروة بن سعيد الأنصاري ، ويقال عزرة عن أبيه وهو وأبوه مجهولان .

وفي الباب عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاث يا علي لا يؤخرن : الصلاة إذا آنت ، والجنازة إذا حضرت ، والأيم إذا وجدت كفؤا } أخرجه أحمد وهذا لفظه ، والترمذي بهذا اللفظ ولكنه قال : " لا تؤخرها " مكان قوله : " لا يؤخرن " وقال : هذا حديث غريب وما أرى إسناده بمتصل وأخرجه أيضا ابن ماجه والحاكم وابن حبان وغيرهم ، وإعلال الترمذي له بعدم الاتصال ; لأنه من طريق عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب ، قيل : ولم يسمع منه وقد قال أبو حاتم : إنه سمع منه فاتصل إسناده ، وقد أعله الترمذي أيضا بجهالة سعيد بن عبد الله الجهني ، ولكنه عده ابن حبان في الثقات قوله : ( عن الحصين بن وحوح ) هو أنصاري وله صحبة ، ووحوح بفتح الواو وسكون الحاء المهملة وبعدها واو مفتوحة وحاء مهملة أيضا وطلحة بن البراء أنصاري له صحبة والحديث يدل على مشروعية التعجيل بالميت والإسراع في تجهيزه ، وتشهد له أحاديث الإسراع بالجنازة وسيأتي .

1371 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه } رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال : حديث حسن ) الحديث رجال إسناده ثقات إلا عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن وهو صدوق يخطئ ، فيه الحث للورثة على قضاء دين الميت ، والإخبار لهم بأن نفسه معلقة بدينه حتى يقضى عنه ، وهذا مقيد بمن له مال يقضى منه دينه وأما من لا مال له ومات عازما على القضاء فقد ورد في الأحاديث ما يدل على أن الله تعالى يقضي عنه ، بل ثبت أن مجرد محبة المديون عند موته للقضاء موجبة لتولي الله سبحانه لقضاء دينه وإن كان له مال ولم يقض منه الورثة .

أخرج الطبراني عن أبي أمامة مرفوعا { من دان بدين في نفسه وفاؤه ومات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء ، ومن دان بدين وليس في نفسه وفاؤه ومات اقتص الله لغريمه منه يوم القيامة } وأخرج أيضا من حديث ابن عمر { الدين دينان ، فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه ومن مات ولا ينوي قضاءه فذلك الذي يؤخذ من حسناته ليس يومئذ دينار ولا درهم } وأخرج أيضا من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر { يؤتى بصاحب الدين يوم القيامة فيقول الله : فيم أتلفت أموال الناس ؟ فيقول : يا رب إنك تعلم أنه أتى علي إما حرق وإما غرق ، فيقول : فإني سأقضي عنك اليوم فيقضي عنه } وأخرج أحمد وأبو نعيم في الحلية والبزار والطبراني بلفظ : { يدعى بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف [ ص: 31 ] بين يدي الله عز وجل فيقول : يا ابن آدم فيم أخذت هذا الدين ، وفيم ضيعت حقوق الناس ؟ فيقول : يا رب إنك تعلم أني أخذته فلم آكل ولم أشرب ولم أضيع ، ولكن أتى على يدي إما حرق وإما سرق وإما وضيعة ، فيقول الله : صدق عبدي وأنا أحق من قضى عنك ، فيدعو الله بشيء فيضعه في كفة ميزانه فترجح حسناته على سيئاته فيدخل الجنة بفضل رحمته } .

وأخرج البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله } .

وأخرج ابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث ميمونة { ما من مسلم يدان دينا يعلم الله أنه يريد أداءه إلا أدى الله عنه في الدنيا والآخرة } وأخرج الحاكم بلفظ : { من تداين بدين ، في نفسه وفاؤه ثم مات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء } وقد ورد أيضا ما يدل على أن من مات من المسلمين مديونا فدينه على من إليه ولاية أمور المسلمين يقضيه عنه من بيت مالهم وإن كان له مال كان لورثته أخرج البخاري من حديث أبي هريرة { : ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة اقرءوا إن شئتم : { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم } ، فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه } وأخرج نحوه أحمد وأبو داود والنسائي .

وأخرج أحمد وأبو يعلى من حديث أنس { من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا فعلى الله وعلى رسوله } .

وأخرج ابن ماجه من حديث عائشة { من حمل من أمتي دينا فجهد في قضائه فمات قبل أن يقضيه فأنا وليه } .

وأخرج ابن سعد من حديث جابر يرفعه : { أحسن الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة ، من مات فترك مالا فلأهله ، ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي } .

وأخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه في حديث آخر { من ترك مالا فلأهله ، ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي وأنا أولى بالمؤمنين } وفي معنى ذلك عدة أحاديث ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قالها بعد أن كان يمتنع من الصلاة على المديون ، فلما فتح الله عليه البلاد وكثرت الأموال صلى على من مات مديونا وقضى عنه ، وذلك مشعر بأن من مات مديونا استحق أن يقضى عنه دينه من بيت مال المسلمين ، وهو أحد المصارف الثمانية فلا يسقط حقه بالموت ، ودعوى من ادعى اختصاصه صلى الله عليه وسلم بذلك ساقطة ، وقياس الدلالة ينفي هذه الدعوى في مثل قوله صلى الله عليه وسلم : { وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه } أخرجه أحمد وابن ماجه وسعيد بن منصور والبيهقي ، وهم لا يقولون إن ميراث من لا وارث له مختص برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أخرج الطبراني من حديث سلمان ما يدل على انتفاء هذه الخصوصية المدعاة ، ولفظه : { من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا فعلي وعلى الولاة من بعدي من بيت المال } .

التالي السابق


الخدمات العلمية