صفحة جزء
أبواب غسل الميت .

باب من يليه ورفقه به وستره عليه

1376 - ( عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من غسل ميتا فأدى فيه [ ص: 33 ] الأمانة ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وقال : ليله أقربكم إن كان يعلم ، فإن لم يكن يعلم ، فمن ترون عنده حظا من ورع وأمانة } رواه أحمد )

1377 - ( وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { : إن كسر عظم الميت مثل كسر عظمه حيا } رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه )

1378 - ( وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة } متفق عليه )

1379 - ( وعن أبي بن كعب { أن آدم عليه السلام قبضته الملائكة وغسلوه وكفنوه وحنطوه وحفروا له وألحدوا وصلوا عليه ، ثم دخلوا قبره فوضعوه في قبره ، ووضعوا عليه اللبن ، ثم خرجوا من القبر ، ثم حثوا عليه التراب ، ثم قالوا : يا بني آدم هذه سنتكم } رواه عبد الله بن أحمد في المسند ) .


حديث عائشة الأول أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط ، وفي إسناده جابر الجعفي وفيه كلام كثير . وحديث عائشة الثاني رجاله رجال الصحيح على كلام في سعد بن سعيد الأنصاري وحديث أبي بن كعب أخرجه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . قوله : ( فأدى فيه الأمانة ولم يفش عليه ما يكون منه عند ذلك ) المراد بتأدية الأمانة إما كتم ما يرى منه مما يكرهه الناس ويكون قوله : " ولم يفش " عطفا تفسيريا ، أو يكون المراد بتأدية الأمانة أن يغسله الغسل الذي وردت به الشريعة ; ; لأن العلم عند حامله أمانة ، واستعماله في مواضعه من تأديتها .

قوله : ( ليله أقربكم ) فيه أن الأحق بغسل الميت على الناس الأقرب إلى الميت بشرط أن يكون عالما بما يحتاج إليه من العلم ، وقد قال بتقديم القريب على غيره الإمام يحيى قوله : ( فمن ترون عنده حظا من ورع وأمانة ) فيه دليل لما ذهبت إليه الهادوية من اشتراط العدالة في الغاسل وخالفهم الجمهور ، فإن صح هذا الحديث فذلك ، وإلا فالظاهر عدم اختصاص هذه القربة بمن ليس فاسقا ; لأنه مكلف بالتكاليف الشرعية ، وغسل الميت من جملتها ، وإلا لزم عدم صحة كل تكليف شرعي منه ، وهو خلاف الإجماع ، ودعوى صحة بعضها دون بعض بغير دليل تحكم وقد [ ص: 34 ] حكى المهدي في البحر الإجماع على أن غسل الميت واجب على الكفاية ، وكذلك حكى الإجماع النووي وناقش دعوى الإجماع صاحب ضوء النهار مناقشة واهية . حاصلها أنه لا مستند له إلا أحاديث الفعل وهي لا تفيد الوجوب .

وأحاديث الأمر بغسل الذي وقصته ناقته ، وأمر بغسل ابنته صلى الله عليه وسلم والأمر مختلف في كونه للوجوب أو للندب ، ورد كلامه بأنه إن ثبت الإجماع على الوجوب فلا يضر جهل المستند . ويرد أيضا بأن الاختلاف في كون الأمر للوجوب لا يستلزم الاختلاف في كل مأمور به ; لأنه ربما شهدت لبعض الأوامر قرائن يستفاد منها وجوبه ، وهذا مما لا يخالف فيه القائل بأن الأمر ليس للوجوب ; لأن محل الخلاف ، الأمر المجرد كما تقرر في الأصول نعم قال في الفتح : وقد نقل النووي الإجماع على أن غسل الميت فرض كفاية وهو ذهول شديد ، فإن الخلاف مشهور جدا عند المالكية على أن القرطبي رجح في شرح مسلم أنه سنة ، ولكن الجمهور على وجوبه وقد رد ابن العربي على من لم يقل بذلك وقال : قد توارد به القول والعمل . انتهى .

وهكذا فليكن التعقب لدعوى الإجماع قوله : ( إن كسر عظم الميت ) . . . إلخ ، فيه دليل على وجوب الرفق بالميت في غسله وتكفينه وحمله وغير ذلك ; لأن تشبيه كسر عظمه بكسر عظم الحي إن كان في الإثم فلا شك في التحريم ، وإن كان في التألم فكما يحرم تأليم الحي يحرم تأليم الميت ، وقد زاد ابن ماجه من حديث أم سلمة لفظ " في الإثم " ، فيتعين الاحتمال الأول .

قوله : ( من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) فيه الترغيب في ستر عورات المسلم وظاهره عدم الفرق بين الحي والميت ، فيدخل في عمومه ستر ما يراه الغاسل ونحوه من الميت وكراهة إفشائه والتحدث به ، وأيضا قد صح أن الغيبة هي ذكرك لأخيك بما يكره ولا فرق بين الأخ الحي والميت ، ولا شك أن الميت يكره أن يذكر بشيء من عيوبه التي تظهر حال موته ، فيكون على هذا ذكرها محرما ، وسيأتي بقية الكلام على هذا في باب الكف عن ذكر مساوئ الأموات . قوله : ( وعن أبي بن كعب أن آدم . . . إلخ ) سيأتي الكلام في تفاصيل ما اشتمل عليه حديث أبي بن كعب هذا في أبوابه من هذا الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية