صفحة جزء
باب فضل الصلاة على الميت وما يرجى له بكثرة الجمع

1414 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان ، قيل : وما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين } متفق عليه .

ولأحمد ومسلم " حتى توضع في اللحد " بدل " تدفن " وفيه دليل فضيلة اللحد على الشق ) .


وفي الباب عن عائشة عند البخاري . وعن ثوبان عند مسلم . وعن عبد الله بن مغفل عند النسائي . وعن أبي سعيد عند أحمد . وعن ابن مسعود عند أبي عوانة ، قال الحافظ : وأسانيده هذه صحاح . وعن أبي بن كعب عند ابن ماجه . وعن ابن مسعود عند البيهقي في الشعب وأبي عوانة . وعن أنس عند الطبراني في الأوسط وعن واثلة بن الأسقع عند ابن عدي . وعن حفصة عند حميد بن زنجويه في فضائل الأعمال . قال الحافظ : وفي كل من أسانيد هؤلاء الخمسة ضعف . قوله : ( من شهد ) في رواية للبخاري : " من شيع " وفي أخرى له : " من تبع " وفي رواية لمسلم : { من خرج مع جنازة من بيتها ثم تبعها حتى تدفن } فينبغي أن تكون هذه الرواية مقيدة لبقية الروايات ، فالتشييع والشهادة والاتباع يعتبر في كونها محصلة للأجر المذكور في الحديث أن يكون ابتداء الحضور من بيت الميت ويدل على ذلك ما وقع في رواية لأبي هريرة عند البزار بلفظ : " من أهلها " وما عند أحمد من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ : " فمشى معها من أهلها " ومقتضاه أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة ، وبذلك جزم الطبري . قال الحافظ : والذي يظهر لي أن القيراط يحصل لمن صلى فقط ; لأن كل ما قبل الصلاة [ ص: 66 ] وسيلة إليها ، لكن يكون قيراط من صلى فقط دون قيراط من شيع وصلى . واستدل بما عند مسلم بلفظ : { من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط } وبما عند أحمد عن أبي هريرة { ومن صلى ولم يتبع فله قيراط } فدل على أن الصلاة تحصل القيراط وإن لم يقع اتباع

قال : ويمكن أن يحمل الاتباع هنا على ما بعد الصلاة انتهى . وهكذا الخلاف في قيراط الدفن هل يحصل بمجرد الدفن من دون اتباع أو لا بد منه . قوله : ( حتى يصلى عليها ) قال في الفتح : اللام للأكثر مفتوحة .

وفي بعض الروايات بكسرها ، ورواية الفتح محمولة عليها ، فإن حصول القيراط متوقف على وجود الصلاة من الذي يحصل له انتهى .

قال ابن المنير : إن القيراط لا يحصل إلا لمن اتبع وصلى أو اتبع وشيع وحضر الدفن ، لا لمن اتبع مثلا وشيع ثم انصرف بغير صلاة ، وذلك ; لأن الاتباع إنما هو وسيلة لأحد مقصودين : إما الصلاة ، وإما الدفن ، فإذا تجردت الوسيلة عن المقصد لم يحصل المترتب على المقصود ، وإن كان أن يحصل لذلك فضل ما يحتسب

وقد روى سعيد بن منصور عن مجاهد أنه قال : اتباع الجنازة أفضل النوافل .

وفي رواية عبد الرزاق عنه " اتباع الجنازة أفضل من صلاة التطوع " قوله : ( فله قيراط ) بكسر القاف . قال في الفتح : قال الجوهري : القيراط نصف دانق ، قال : والدانق سدس الدرهم ، فهو على هذا نصف سدس الدرهم كما قال ابن عقيل ، وذكر القيراط تقريبا للفهم لما كان الإنسان يعرف القيراط ويعمل العمل في مقابلته ، فضرب له المثل بما يعلم ، ثم لما كان مقدار القيراط المتعارف حقيرا ، نبه على عظم القيراط الحاصل لمن فعل ذلك فقال : " مثل أحد " كما في بعض الروايات ، وفي أخرى " أصغرها مثل أحد " وفي حديث الباب " مثل الجبلين العظيمين " قوله : ( ومن شهدها حتى تدفن ) ظاهره أن حصول القيراط متوقف على فراغ الدفن وهو أصح الأوجه عند الشافعية وغيرهم . وقيل يحصل بمجرد الوضع في اللحد

وقيل عند انتهاء الدفن قبل إهالة التراب . وقد وردت الأخبار بكل ذلك ، فعند مسلم : " حتى يفرغ منها " وعنده في أخرى : " حتى توضع في اللحد " وعنده أيضا : " حتى توضع في القبر " وعند أحمد : " حتى يقضى قضاؤها " وعند الترمذي : " حتى يقضى دفنها " وعند أبي عوانة : " حتى يسوى عليها " أي التراب . وقيل : يحصل القيراط بكل من ذلك ولكن يتفاوت . والظاهر أنها تحمل الروايات المطلقة عن الفراغ من الدفن وتسوية التراب بالمقيدة بهما

قوله : ( مثل الجبلين ) في رواية " مثل أحد " وفي رواية للنسائي " كل واحد منهما أعظم من أحد " وعند مسلم " أصغرهما مثل أحد " وعند ابن عدي " أثقل من أحد " فأفادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل بجبل أحد ، وأن المراد به زنة الثواب المترتب على ذلك . قوله : ( حتى توضع في اللحد ) استدل به المصنف على أن اللحد أفضل ، وسيأتي الكلام على ذلك . [ ص: 67 ]

1415 - ( وعن مالك بن هبيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من مسلم يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين ، يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غفر له فكان مالك بن هبيرة يتحرى إذا قل أهل الجنازة أن يجعلهم ثلاثة صفوف } . رواه الخمسة إلا النسائي ) .

1416 - ( وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم { : ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه } رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه ) .

1417 - ( وعن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا ، إلا شفعهم الله فيه } رواه أحمد ومسلم وأبو داود ) .

1418 - ( وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أبيات من جيرانه الأدنين إلا قال الله تعالى : قد قبلت علمهم فيه وغفرت له ما لا يعلمون } رواه أحمد ) . حديث مالك بن هبيرة في إسناده محمد بن إسحاق ، رواه عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد عن مالك وفيه مقال معروف إذا عنعن . وقد حسن الحديث الترمذي . وقال : رواه غير واحد عن محمد بن إسحاق . وروى إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق هذا الحديث ، وأدخل بين مرثد ومالك بن هبيرة رجلا ، ورواية هؤلاء أصح عندنا . قال : وفي الباب عن عائشة وأم حبيبة وأبي هريرة ، ثم ذكر حديث عائشة بنحو اللفظ الذي ذكره المصنف من طريق ابن أبي عمر عن عبد الوهاب الثقفي عن أيوب . وعن أحمد بن منيع وعلي بن حجر عن إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد عن عائشة ثم قال : حسن صحيح ، وقد وقفه بعضهم ولم يرفعه . قال النووي : من [ ص: 68 ] رفعه ثقة ، وزيادة الثقة مقبولة وحديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن ماجه . وحديث أنس أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا . ولأحمد من حديث أبي هريرة نحوه وقال : ثلاثة بدل أربعة .

وفي إسناده رجل لم يسم ، وله شاهد من مراسيل بشير بن كعب ، أخرجه أبو مسلم الكجي . قوله : ( يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف ) فيه دليل على أن من صلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين غفر له ، وأقل ما يسمى صفا رجلان ، ولا حد لأكثره قوله : ( يبلغون مائة ) فيه استحباب تكثير جماعة الجنازة ويطلب بلوغهم إلى هذا العدد الذي يكون من موجبات الفوز ، وقد قيد ذلك بأمرين : الأول : أن يكونوا شافعين فيه : أي مخلصين له الدعاء ، سائلين له المغفرة . الثاني : أن يكونوا مسلمين ليس فيهم من يشرك بالله شيئا كما في حديث ابن عباس

قال القاضي : قيل : هذه الأحاديث خرجت أجوبة لسائلين سألوا على ذلك ، فأجاب كل واحد عن سؤاله . قال النووي : ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بقبول شفاعة مائة فأخبر به ، ثم بقبول شفاعة أربعين فأخبر به ، ثم ثلاثة صفوف وإن قل عددهم فأخبر به . قال : ويحتمل أيضا أن يقال : هذا مفهوم عدد ، ولا يحتج به جماهير الأصوليين ، فلا يلزم من الأخبار عن قبول شفاعة مائة منع قبول ما دون ذلك ، وكذا في الأربعين ثلاثة صفوف ، وحينئذ كل الأحاديث معمول بها ، وتحصل الشفاعة بأقل الأمرين من ثلاثة صفوف وأربعين قوله : ( أربعة أبيات ) ليس عند ابن حبان والحاكم لفظ أبيات . وفيه أن شهادة أربعة من جيران الميت من موجبات مغفرة الله تعالى له

ويؤيد ذلك ما أخرجه البخاري وغيره عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة ، فقلنا : وثلاثة ؟ قال : وثلاثة ، فقلنا : واثنان ؟ قال : واثنان ، ثم لم نسأله عن الواحد } قال الزين بن المنير : إنما لم يسأله عمر عن الواحد استبعادا منه أن يكتفى في مثل هذا المقام العظيم بأقل من النصاب . قال الداودي : المعتبر في ذلك شهادة أهل الفضل والصدق لا الفسقة ; لأنهم قد يثنون على من يكون مثلهم ، ولا من بينه وبين الميت عداوة ; لأن شهادة العدو لا تقبل . وقد أخرج الشيخان وغيرهما من حديث أنس قال : { مر بجنازة فأثنوا عليها خيرا ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : وجبت ثم مر بأخرى فأثنوا عليها شرا ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : وجبت ، فقال عمر : ما وجبت ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة ، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض } هذا لفظ البخاري وفي مسلم " وجبت وجبت وجبت ثلاثا في الموضعين " . قال النووي : قال بعضهم : معنى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل وكان ذلك مطابقا للواقع فهو من أهل الجنة . فإن كان غير مطابق فلا ، وكذا عكسه . قال : والصحيح أنه على [ ص: 69 ] عمومه وإن مات فألهم الله تعالى الناس الثناء عليه بخير كان دليلا على أنه من أهل الجنة سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا ، فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة ، وهذا الإلهام يستدل به على تعيينها وبهذا تظهر فائدة الثناء انتهى . قال الحافظ : وهذا في جانب الخير واضح .

وأما في جانب الشر فظاهر الأحاديث أنه كذلك ، لكن إنما يقع ذلك في حق من غلب شره على خيره ، وقد وقع في رواية من حديث أنس المتقدم { إن لله عز وجل ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر } .

التالي السابق


الخدمات العلمية