صفحة جزء
[ ص: 71 ] باب عدد تكبير صلاة الجنائز قد ثبت الأربع في رواية أبي هريرة وابن عباس وجابر .

1423 - ( عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال { : كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا ، وإنه كبر خمسا على جنازة فسألته فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها . } رواه الجماعة إلا البخاري ) .


حديث أبي هريرة وابن عباس وجابر تقدم في الصلاة على الغائب ، وممن روى الأربع كما قال البيهقي عقبة بن عامر والبراء وزيد بن ثابت وابن مسعود .

وروى ابن عبد البر في الاستذكار من طريق أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن أبيه { كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر على الجنائز أربعا وخمسا وسبعا وثمانية حتى جاء موت النجاشي فخرج فكبر أربعا ، ثم ثبت النبي صلى الله عليه وسلم على أربع حتى توفاه الله تعالى }

وكذا قال القاضي عياض . أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر مرفوعا { صلوا على موتاكم بالليل والنهار والصغير والكبير والدنيء والأمير أربعا } وفي إسناده عمرو بن هشام البيروتي ، تفرد به عن ابن لهيعة ، وإلى مشروعية الأربع التكبيرات في الجنازة ذهب الجمهور قال الترمذي : العمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يرون التكبير على الجنازة أربع تكبيرات ، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق انتهى . وقال ابن المنذر : ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكبير أربع انتهى

وقد اختلف السلف في ذلك ; فروي عن زيد بن أرقم أنه كان يكبر خمسا كما في حديث الباب . وروى ابن المنذر عن ابن مسعود أنه صلى على جنازة رجل من بني أسد فكبر خمسا ، وروي أيضا عن ابن مسعود عن علي أنه كان يكبر على أهل بدر ستا وعلى الصحابة خمسا وعلى سائر الناس أربعا . وروى ذلك أيضا ابن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني عن عبد خير عنه وروى ابن المنذر أيضا بإسناد صحيح عن ابن عباس " أنه كبر على جنازة ثلاثة " قال القاضي عياض : اختلف الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات إلى تسع . قال ابن عبد البر : وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع ، وأجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالأمصار على أربع على ما جاء في الأحاديث الصحاح ، وما سوى ذلك عندهم شذوذ لا يلتفت عليه ، وقال : لا نعلم أحدا من فقهاء الأمصار يخمس إلا ابن أبي ليلى

وقال علي بن الجعد [ ص: 72 ] حدثنا شعبة عن عمر بن مرة سمعت سعيد بن المسيب يقول : إن عمر قال : كل ذلك قد كان أربعا وخمسا فاجتمعنا على أربع ، رواه البيهقي . ورواه ابن عبد البر من وجه آخر عن شعبة . وروى البيهقي أيضا عن أبي وائل قال { : كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وخمسا وستا وسبعا ، فجمع عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر كل رجل منهم بما رأى ، فجمعهم عمر على أربع تكبيرات } وروى أيضا من طريق إبراهيم النخعي أنه قال : " اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي مسعود ، فاجتمعوا على أن التكبير على الجنازة أربع " وروى أيضا بسنده إلى الشعبي قال : صلى ابن عمر على زيد بن عمر وأمه أم كلثوم بنت علي فكبر أربعا " وخالفه ابن عباس والحسين بن علي وابن الحنفية قوله : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها ) استدل به من قال : إن تكبير الجنازة خمس ، وقد حكاه في البحر عن العترة جميعا وأبي ذر وزيد بن أرقم وحذيفة وابن عباس ومحمد بن الحنفية وابن أبي ليلى ، وحكاه في المبسوط عن أبي يوسف

وفي دعوى إجماع العترة نظر ; لأن صاحب الكافي حكى عن زيد بن علي القول بالأربع . واستدلوا أيضا بحديث حذيفة الآتي وبما تقدم عن جماعة من الصحابة قالوا : والخمس زيادة يتحتم قبولها لعدم منافاتها . وأورد عليهم أنه كان يلزمكم الأخذ بأكثر من خمس ; لأنها زيادة وقد وردت كما أخرجه البيهقي عن أبي وائل ، وقد تقدم . ورجح الجمهور ما ذهبوا إليه من مشروعية الأربع بمرجحات أربعة : الأول : أنها ثبتت من طريق جماعة من الصحابة أكثر عددا ممن روى منهم الخمس . الثاني : أنها في الصحيحين . الثالث : أنه أجمع على العمل بها الصحابة كما تقدم

الرابع : أنها آخر ما وقع منه صلى الله عليه وسلم كما أخرج الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ : { آخر ما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنائز أربع } وفي إسناده الفرات بن سلمان . وقال الحاكم بعد ذكر الحديث : ليس من شرط الكتاب . ورواه أيضا البيهقي بإسناد فيه النضر بن عبد الرحمن وهو ضعيف ، وقد تفرد به كما قال البيهقي . قال الحافظ وروي هذا اللفظ من وجوه أخر كلها ضعيفة وقال الأثرم : رواه محمد بن معاوية النيسابوري عن أبي المليح عن ميمون بن مهران عن ابن عباس . وقد سألت أحمد عنه فقال : محمد هذا راوي أحاديث موضوعة منها هذا واستعظمه . وقال : كان أبو المليح . أتقى لله وأصلح حديثا من أن يروي مثل هذا . وقال حرب عن أحمد : هذا الحديث إنما رواه محمد بن زياد الطحان وكان يضع الحديث . وقال ابن القيم : قال أحمد : هذا كذب ليس له أصل . ا هـ ورواه ابن الجوزي في الناسخ والمنسوخ من طريق ابن شاهين عن ابن عمر ، وفي إسناده زافر بن الحارث عن أبي العلاء عن ميمون بن مهران عنه قال ابن الجوزي : وخالفه غيره ولا يثبت فيه شيء . ورواه الحارث بن أبي أسامة [ ص: 73 ] عن جعفر بن حمزة عن فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر بنحوه . ويجاب عن الأول من هذه المرجحات والثاني منها بأنه إنما يرجح بهما عند التعارض ، ولا تعارض بين الأربع والخمس ; لأن الخمس مشتملة على زيادة غير معارضة . وعن الرابع بأنه لم يثبت ، ولو ثبت لكان غير رافع للنزاع ; لأن اقتصاره على الأربع لا ينفي مشروعية الخمس بعد ثبوتها عنه ، وغاية ما فيه جواز الأمرين ، نعم المرجح الثالث ، أعني إجماع الصحابة على الأربع هو الذي يعول عليه في مثل هذا المقام إن صح ، وإلا كان الأخذ بالزيادة الخارجة من مخرج صحيح هو الراجح

وفي المسألة أقوال أخر : منها ما روي عن أحمد بن حنبل أنه لا ينقص عن أربع ولا يزاد على سبع . ومنها ما روي عن بكر بن عبد الله المزني أنه لا ينقص عن ثلاث ولا يزاد على سبع . ومنها ما روي عن ابن مسعود أنه قال " التكبير تسع وسبع وخمس وأربع وكبر ما كبر الإمام " روى ذلك جميعه ابن المنذر ومنها ما روي عن أنس أن تكبير الجنازة ثلاث كما روى عنه ابن المنذر أنه قيل له : إن فلانا كبر ثلاثا فقال : وهل التكبير إلا ثلاث ؟ وروى عنه ابن أبي شيبة أنه كبر ثلاثا لم يزد عليها وروى عنه عبد الرزاق أنه كبر على جنازة ثلاثا ثم انصرف ناسيا ، فقالوا له : يا أبا حمزة إنك كبرت ثلاثا ، قال : فصفوا ، فصفوا فكبر الرابعة . وروى عنه البخاري تعليقا نحو ذلك . وجمع بين الروايات عنه الحافظ بأنه إما كان يرى الثلاث مجزئة والأربع أكمل منها ، وإما بأن من أطلق عنه الثلاث لم يذكر الأولى ; لأنها افتتاح الصلاة .

1424 - ( وعن حذيفة { أنه صلى على جنازة فكبر خمسا ، ثم التفت فقال ما نسيت ولا وهمت ، ولكن كبرت كما كبر النبي صلى الله عليه وسلم ، صلى على جنازة فكبر خمسا } . رواه أحمد ) .

1425 - ( وعن علي أنه كبر على سهل بن حنيف ستا وقال : إنه شهد بدرا . رواه البخاري ) .

1426 - ( وعن الحكم بن عتيبة أنه قال : كانوا يكبرون على أهل بدر خمسا وستا وسبعا . رواه سعيد في سننه ) .

حديث حذيفة ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه ، وفي إسناده يحيى بن عبد الله الجابري وهو متكلم عليه والأثر المذكور عن علي هو في البخاري بلفظ : " أنه كبر [ ص: 74 ] على سهل بن حنيف " زاد البرقاني في مستخرجه " ستا " وكذا ذكره البخاري في تاريخه وسعيد بن منصور . ورواه ابن أبي خيثمة من وجه آخر عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن مغفل فقال خمسا . وروى البيهقي عنه أنه كبر على أبي قتادة سبعا ، وقال : إنه غلط ; لأن أبا قتادة عاش بعد ذلك . قال الحافظ : وهذه علة غير قادحة ; لأنه قد قيل : إن أبا قتادة مات في خلافة علي وهذا هو الراجح ا هـ وقول الحكم بن عتيبة أورده الحافظ في التخليص ولم يتكلم عليه ، وقد تقدم الخلاف في عدد التكبير وما هو الراجح .

وفي فعل علي دليل على استحباب تخصيص من له فضيلة بإكثار التكبير عليه ، وكذلك في رواية الحكم بن عتيبة عن السلف ، وقد تقدم من فعله صلى الله عليه وسلم بصلاته على حمزة ما يدل على ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية