صفحة جزء
باب القراءة والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها

1427 - ( عن ابن عباس { أنه صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال : لتعلموا أنه من السنة } رواه البخاري وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وقال فيه : فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة وجهر ، فلما فرغ قال : سنة وحق ) .

1428 - ( وعن أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات ، ولا يقرأ في شيء منهن ، ثم يسلم سرا في نفسه . } رواه الشافعي في مسنده ) .

1429 - ( وعن فضالة بن أبي أمية قال : قرأ الذي صلى على أبي بكر وعمر بفاتحة الكتاب . رواه البخاري في تاريخه ) .


حديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم . وحديث أبي أمامة بن سهل في إسناده مطرف ، ولكنه قد قواه البيهقي بما رواه في المعرفة من طريق عبد الله بن أبي زياد الرصافي عن الزهري بمعناه . وأخرج نحوه الحاكم من وجه آخر ، وأخرجه أيضا النسائي وعبد الرزاق . قال في الفتح : وإسناده صحيح وليس فيه قوله : " بعد التكبيرة " ولا قوله : " ثم يسلم سرا في نفسه " ولكنه أخرج الحاكم نحوها .

وفي الباب عن ابن عباس [ ص: 75 ] حديث آخر عند الترمذي وابن ماجه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب " وفي إسناده إبراهيم بن عثمان أبو شيبة الواسطي وهو ضعيف جدا وقال الترمذي : لا يصح هذا عن ابن عباس والصحيح عنه قوله : " من السنة " وعن أم شريك عند ابن ماجه قالت : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب " وفي إسناده ضعف يسير كما قال الحافظ وعن ابن عباس حديث آخر أيضا عند الحاكم " أنه صلى على جنازة بالأبواء فكبر ثم قرأ الفاتحة رافعا صوته ، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال : اللهم هذا عبدك وابن عبدك أصبح فقيرا إلى رحمتك ، فأنت غني عن عذابه ، إن كان زاكيا فزكه ، وإن كان مخطئا فاغفر له ، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده ، ثم كبر ثلاث تكبيرات ثم انصرف فقال : أيها الناس إني لم أقرأ عليها : أي جهرا إلا لتعلموا أنه سنة " وفي إسناده شرحبيل بن سعد وهو مختلف في توثيقه وعن جابر عند النسائي في المجتبى والحاكم والشافعي وأبي يعلى ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بأم القرآن ) وفي إسناد الشافعي والحاكم إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل . وعن محمد بن مسلمة عند ابن أبي حاتم في العلل أنه قال : السنة على الجنائز أن يكبر الإمام ثم يقرأ أم القرآن في نفسه ثم يدعو ويخلص الدعاء للميت ثم يكبر ثلاثا ثم يسلم وينصرف ويفعل من وراءه ذلك ، وقال : سألت أبي عنه فقال : هذا خطأ إنما هو حبيب بن مسلمة . قال الحافظ : حديث حبيب في المستدرك من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل باللفظ السابق قوله : ( لتعلموا أنه من السنة ) فيه وفي بقية أحاديث الباب دليل على مشروعية قراءة فاتحة الكتاب في صلاة الجنازة

وقد حكى ابن المنذر عن ابن مسعود والحسن بن علي وابن الزبير والمسور بن مخرمة ، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق ، وبه قال الهادي والقاسم والمؤيد بالله . ونقل ابن المنذر أيضا عن أبي هريرة وابن عمر أنه ليس فيها قراءة ، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين ، وإليه ذهب زيد بن علي والناصر ، وأحاديث الباب ترد عليهم . واختلف الأولون هل قراءة الفاتحة واجبة أم لا ؟ فذهب إلى الأول الشافعي وأحمد وغيرهما . واستدلوا بحديث أم شريك المتقدم وبالأحاديث المتقدمة في كتاب الصلاة كحديث " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " ونحوه ; وصلاة الجنازة صلاة وهو الحق . قوله : ( وسورة ) فيه مشروعية قراءة سورة مع الفاتحة في صلاة الجنازة ، ولا محيص عن المصير إلى ذلك ; لأنها زيادة خارجة من مخرج صحيح

ويؤيد وجوب قراءة السورة في صلاة الجنازة الأحاديث المتقدمة في باب وجوب قراءة الفاتحة من كتاب الصلاة فإنها ظاهرة في كل صلاة . قوله : ( وجهر ) فيه دليل على الجهر في قراءة صلاة الجنازة . وقال بعض أصحاب الشافعي : إنه يجهر بالليل كالليلية . وذهب الجمهور إلى أنه لا يستحب الجهر [ ص: 76 ] في صلاة الجنازة . وتمسكوا بقول ابن عباس المتقدم : " لم أقرأ : أي جهرا إلا لتعلموا أنه سنة " وبقوله في حديث أبي أمامة " سرا في نفسه " قوله : ( بعد التكبيرة الأولى ) فيه بيان محل قراءة الفاتحة ، وقد أخرج الشافعي والحاكم عن جابر مرفوعا بلفظ { : وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى } وفي إسناده إبراهيم بن محمد وهو ضعيف جدا وقد صرح العراقي في شرح الترمذي بأن إسناد حديث جابر ضعيف قوله : ( ثم يصلي على النبي ) فيه مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة ، ويؤيد ذلك الأحاديث المتقدمة في الصلاة كحديث { لا صلاة لمن لم يصل علي } ونحوه . وروى إسماعيل القاضي في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي أمامة أنه قال : { إن السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ ولا يقرأ إلا مرة ثم يسلم } وأخرجه ابن الجارود في المنتقى . قال الحافظ : ورجاله مخرج لهم في الصحيحين

قوله : ( ثم يسلم سرا في نفسه ) فيه دليل على مشروعية السلام في صلاة الجنازة والإسرار به وهو مجمع عليه ، حكي ذلك في البحر . وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال : { ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركهن الناس ، إحداهن التسليم على الجنائز مثل التسليم في الصلاة } وله أيضا نحوه عن عبد الله بن أبي أوفى . فحصل من الأحاديث المذكورة في الباب أن المشروع في صلاة الجنازة قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى وقراءة سورة ، وتكون أيضا بعد التكبيرة الأولى مع الفاتحة لقوله في حديث أبي أمامة بن سهل : ويخلص الدعاء للميت في التكبيرات ، ولا يقرأ في شيء منهن ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد ما يدل على تعيين موضعها ، والظاهر أنها تفعل بعد القراءة ، ثم يكبر بقية التكبيرات ويستكثر من الدعاء بينهن للميت مخلصا له ، ولا يشتغل بشيء من الاستحسانات التي وقعت في كتب الفقه فإنه لا مستند لها إلا التخيلات ، ثم بعد فراغه من التكبير والدعاء المأثور يسلم

وقد اختلف في مشروعية الرفع عند كل تكبيرة ; فذهب الشافعي إلى أنه يشرع مع كل تكبيرة . وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وعطاء وسالم بن عبد الله وقيس بن أبي حازم والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق واختاره ابن المنذر . وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحاب الرأي : إنه لا يرفع عند سائر التكبيرات بل عند الأولى فقط . وعن مالك ثلاث روايات : الرفع في الجميع ، وفي الأولى فقط ، وعدمه في كلها . وقالت العترة بمنعه في كلها

احتج الأولون بما أخرجه البيهقي عن ابن عمر ، قال الحافظ بسند صحيح . وعلقه البخاري ووصله في جزء رفع اليدين : { إنه كان يرفع يديه في جميع تكبيرات الجنازة } . ورواه الطبراني في الأوسط ترجمة موسى بن عيسى مرفوعا وقال : لم يروه عن نافع إلا عبد الله بن محرز ، تفرد به عباد بن صهيب ، قال في [ ص: 77 ] التلخيص : وهما ضعيفان ورواه الدارقطني من طريق يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن نافع عنه مرفوعا ، لكن قال في العلل : تفرد برفعه عمر بن شبة عن يزيد بن هارون . ورواه الجماعة عن يزيد موقوفا وهو الصواب .

وروى الشافعي عمن سمع سلمة بن وردان يذكر عن أنس أنه كان يرفع يديه كلما كبر على الجنازة وروى أيضا الشافعي عن عروة وابن المسيب مثل ذلك . قال : وعلى ذلك أدركنا أهل العلم ببلدنا . واحتج القائلون بأنه لا يرفع يديه إلا عند تكبيرة الافتتاح بما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس وأبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود " قال الحافظ : ولا يصح فيه شيء . وقد صح عن ابن عباس " أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة " رواه سعيد بن منصور ا هـ

واحتجوا أيضا بما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى } وقال : غريب ، وفي إسناده يزيد بن سنان الرهاوي وهو ضعيف عند أهل الحديث

والحاصل أنه لم يثبت في غير التكبيرة الأولى شيء يصلح للاحتجاج به عن النبي صلى الله عليه وسلم وأفعال الصحابة وأقوالهم لا حجة فيها ، فينبغي أن يقتصر على الرفع عند تكبيرة الإحرام ; لأنه لم يشرع في غيرها إلا عند الانتفال من ركن إلى ركن كما في سائر الصلوات ، ولا انتقال في صلاة الجنازة .

التالي السابق


الخدمات العلمية