صفحة جزء
باب المشي أمام الجنازة وما جاء في الركوب معها قد سبق في ذلك حديث المغيرة .

1448 - ( وعن ابن عمر أنه { رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة . } رواه الخمسة ، واحتج به أحمد ) .


حديث المغيرة تقدم في الصلاة على السقط ، وحديث ابن عمر أخرجه أيضا الدارقطني وابن حبان وصححه ، والبيهقي من حديث ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه ، به قال أحمد : إنما هو عن الزهري مرسل . وحديث سالم فعل ابن عمر . وحديث ابن عيينة وهم . قال الترمذي : أهل الحديث يرون المرسل أصح قاله ابن المبارك " قال : وروى معمر ويونس ومالك عن الزهري { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي أمام الجنازة } قال [ ص: 88 ] الزهري : وأخبرني سالم أن أباه كان يمشي أمام الجنازة . قال الترمذي : ورواه ابن جريج عن الزهري مثل ابن عيينة ، ثم روى عن ابن المبارك أنه قال : أرى أن ابن جريج أخذه عن ابن عيينة وقال النسائي : وصله خطأ والصواب مرسل . وقال أحمد : حدثنا حجاج قرأت على ابن جريج ، حدثنا زياد بن سعد أن ابن شهاب أخبره ، حدثني سالم عن ابن عمر { أنه كان يمشي بين يدي الجنازة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يمشون أمامها } وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه من فعل ابن عمر وأبي بكر وعمر وعثمان . قال الزهري : وكذلك السنة . قال الحافظ في التلخيص فهذا أصح من حديث ابن عيينة ، وصحح الدارقطني بعد ذكر الاختلاف أنه فعل ابن عمر ورجح البيهقي الموصول ; لأن ابن عيينة ثقة حافظ ، وقد أتى بزيادة على من أرسل ، والزيادة مقبولة وقد قال لما قال له ابن المديني : إنه قد خالفه الناس في هذا الحديث : إن الزهري حدثه به مرارا عن سالم عن أبيه . قال الحافظ : وهذا لا ينفي الوهم ; لأنه ضبط أنه سمعه منه عن سالم عن أبيه وهو كذلك إلا أن فيه إدراجا ، وقد جزم بصحة الحديث ابن المنذر وابن حزم وفي الباب عن أنس عند الترمذي مثله ، وقال : سألت عنه البخاري فقال : هذا خطأ أخطأ فيه محمد بن بكر . وقد اختلف أهل العلم هل الأفضل لمتبع الجنازة أن يمشي خلفها أو أمامها ؟ فقال الزهري ومالك والشافعي وأحمد والجمهور وجماعة من الصحابة منهم أبو بكر وعمر وعثمان وابن عمر وأبو هريرة : إن المشي أمام الجنازة أفضل . واستدلوا بحديث ابن عمر المذكور في الباب

وقال أبو حنيفة وأصحابه ، وحكاه الترمذي عن سفيان الثوري وإسحاق وحكاه في البحر عن العترة : إن المشي خلفها أفضل ، واستدلوا بما تقدم من حديث ابن مسعود عند الترمذي وأبي داود قال : { سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن المشي خلف الجنازة ، فقال : ما دون الخبب } فقرر قولهم : خلف الجنازة ولم ينكره . واستدلوا أيضا بما روي عن طاوس أنه قال : { ما مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات إلا خلف الجنازة } وهذا مع كونه مرسلا لم أقف عليه في شيء من كتب الحديث .

وروي في البحر عن علي عليه السلام أنه قال : المشي خلف الجنازة أفضل . وحكي في البحر عن الثوري أنه قال : الراكب يمشي خلفها والماشي أمامها . ويدل لما قاله : حديث المغيرة المتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الراكب خلف الجنازة والماشي أمامها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها } أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم . وهذا مذهب قوي لولا ما سيأتي من الأدلة الدالة على كراهة الركوب لمتبع الجنازة

وقال أنس بن مالك : إنه يمشي بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها ، رواه البخاري عنه تعليقا ووصله عبد الوهاب بن عطاء في كتاب الجنائز ، ووصله أيضا ابن أبي شيبة وعبد الرزاق . [ ص: 89 ]

1449 - ( وعن جابر بن سمرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم اتبع جنازة ابن الدحداح ماشيا ، ورجع على فرس } . رواه الترمذي .

وفي رواية : أتي بفرس معرور ، فركبه حين انصرفنا من جنازة ابن الدحداح ونحن نمشي حوله . رواه أحمد ومسلم والنسائي ) .

1450 - ( وعن ثوبان قال { : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى ناسا ركبانا فقال : ألا تستحيون إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب ؟ } رواه ابن ماجه والترمذي ) .

1451 - ( وعن ثوبان أيضا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بدابة وهو مع جنازة فأبى أن يركبها فلما انصرف أتي بدابة فركب فقيل له ، فقال : إن الملائكة كانت تمشي فلم أكن لأركب وهم يمشون ، فلما ذهبوا ركبت } . رواه أبو داود ) .

حديث جابر بن سمرة قال الترمذي : حسن صحيح ، وفي لفظ له { وهو على فرس له يسعى ونحن حوله وهو يتوقص به } وحديث ثوبان الأول قال الترمذي : قد روي عنه مرفوعا ولم يتكلم عليه بحسن ولا ضعف ، وفي إسناده أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف . وحديث ثوبان الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري ، ورجال إسناده رجال الصحيح . قوله : ( ابن الدحداح ) بدالين مهملتين وحاءين مهملتين ، ويقال أبو الدحداح ، ويقال أبو الدحداحة . قال ابن عبد البر : لا يعرف اسمه . قوله : ( ورجع على فرس ) فيه أنه لا بأس بالركوب عند الرجوع من دفن الميت . قوله : ( معرور ) بضم الميم وفتح الراء . قال أهل اللغة : اعروريت الفرس إذا ركبته عريانا فهو معرور . قال النووي : ولم يأت افعوعل معدى إلا قولهم اعروريت الفرس واحلوليت الشيء ا هـ . قوله : ( ونحن نمشي حوله ) فيه جواز مشي الجماعة مع كبيرهم الراكب ، وأنه لا كراهة فيه ، في حقه ولا في حقهم إذا لم يكن فيه مفسدة وإنما يكره ذلك إذا حصل فيه انتهاك للتابعين أو خيف إعجاب أو نحو ذلك من المفاسد . قوله : ( ألا تستحيون ) فيه كراهة الركوب لمن كان متبعا للجنازة ، ويعارضه حديث المغيرة المتقدم من إذنه للراكب أن يمشي خلف الجنازة ، ويمكن الجمع بأن قوله صلى الله عليه وسلم " الراكب خلفها " لا يدل على عدم الكراهة ، وإنما يدل على الجواز ، فيكون الركوب جائزا مع الكراهة ، أو بأن إنكاره صلى الله عليه وسلم على من [ ص: 90 ] ركب وتركه للركوب إنما كان لأجل مشي الملائكة ، ومشيهم مع الجنازة التي مشى معها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستلزم مشيهم مع كل جنازة لإمكان أن يكون ذلك منهم تبركا به صلى الله عليه وسلم فيكون الركوب على هذا جائزا غير مكروه ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية