صفحة جزء
باب من أين يدخل الميت قبره ، وما يقال : عند ذلك والحثي في القبر

1466 - ( عن أبي إسحاق قال { : أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد فصلى عليه ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر وقال : هذا من السنة . } رواه أبو داود وسعيد في سننه وزاد ثم قال : أنشطوا الثوب فإنما يصنع هذا بالنساء ) .

1467 - ( وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : كان إذا وضع الميت في القبر قال : بسم الله ، وعلى ملة رسول الله وفي لفظ : وعلى سنة رسول الله } رواه الخمسة إلا النسائي ) .

1468 - ( وعن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت : فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثا } رواه ابن ماجه )


. الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجال إسناده رجال الصحيح .

وفي الباب عن ابن عباس عند الشافعي " أن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا " وعن ابن عمر عند أبي بكر النجاد مثله . وعن أبي رافع عند ابن ماجه قال " سل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ سلا ورش على قبره الماء " وأما الزيادة التي زادها سعيد فسيأتي الكلام فيها . والحديث الثاني أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم . وفي الباب عن ابن عمر عند النسائي والحاكم وغيرهما وفيه الأمر به وقد اختلف في رفعه ووقفه ، ورجح الدارقطني والنسائي الوقف ، ورجح غيرهما الرفع . وقد رواه ابن حبان من طريق سعيد عن قتادة مرفوعا وروى البزار والطبراني عن ابن عمر نحوه وابن ماجه عنه مرفوعا ، وفي إسناده حماد بن عبد الرحمن الكلبي وهو مجهول .

وعن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه عند الطبراني قال : { قال لي اللجلاج : يا بني إذا أنا مت فألحدني ، فإذا وضعتني في لحدي [ ص: 99 ] فقل : بسم الله وعلى ملة رسول الله ، ثم شن علي التراب شنا ، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك } واللجلاج بجيمين وفتح اللام الأولى . وعن أبي حازم مولى الغفاري ، حدثني البياضي وهو صحابي كما في الكاشف وغيره عند الحاكم يرفعه بلفظ : { الميت إذا وضع في قبره فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد : بسم الله وبالله ، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم . } وعن أبي أمامة عند الحاكم والبيهقي بلفظ : " لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله " الحديث وسنده ضعيف كما قال الحافظ . والحديث الثالث قال أبو حاتم في العلل : هذا حديث باطل . وقال الحافظ : إسناده ظاهر الصحة . قال ابن ماجه : حدثنا العباس بن الوليد ، حدثنا يحيى بن صالح ، حدثنا سلمة بن كلثوم ، حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكره ورجاله ثقات .

وقد رواه ابن أبي داود من هذا الوجه وصححه . قال الحافظ : لكن أبو حاتم إمام لم يحكم عليه بالبطلان إلا بعد أن تبين له ، وأظن أن العلة فيه عنعنة الأوزاعي وعنعنة شيخه ، وهذا كله إن كان يحيى بن صالح هو الوحاظي شيخ البخاري .

وفي الباب عن عامر بن ربيعة عند البزار والدارقطني قال { : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين دفن عثمان بن مظعون صلى عليه وكبر عليه أربعا وحثى على قبره بيديه ثلاث حثيات من التراب وهو قائم عند رأسه } وزاد البزار " فأمر فرش عليه الماء " قال البيهقي : وله شاهد من حديث جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا ، رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد عن جعفر وعن أبي المنذر عند أبي داود في المراسيل { أن النبي صلى الله عليه وسلم حثى في قبر ثلاثا } قال أبو حاتم في العلل : أبو المنذر مجهول .

وعن أبي أمامة عند البيهقي قال : { توفي رجل فلم تصب له حسنة إلا ثلاث حثيات حثاها على قبر فغفرت له ذنوبه } وعن أبي هريرة غير حديث الباب عند أبي الشيخ مرفوعا { من حثى على مسلم احتسابا كتب له بكل ثراة حسنة } قال الحافظ : إسناده ضعيف . قوله : ( وقال هذا من السنة ) فيه وفيما قدمنا دليل على أنه يستحب أن يدخل الميت من قبل رجلي القبر : أي موضع رجلي الميت منه عند وضعه فيه . وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد والهادي والناصر والمؤيد بالله . وقال أبو حنيفة : أنه يدخل القبر من جهة القبلة معرضا إذ هو أيسر ، واتباع السنة أولى من الرأي .

وقد استدل لأبي حنيفة بما رواه البيهقي من حديث ابن عباس وابن مسعود وبريدة " أنهم أدخلوا النبي صلى الله عليه وسلم من جهة القبلة " ويجاب بأن البيهقي ضعفها . وقد روي عن الترمذي تحسين حديث ابن عباس منها وأنكر ذلك عليه ; لأن مداره على الحجاج بن أرطاة . قال في ضوء النهار : على أنه لا حاجة إلى [ ص: 100 ] التضعيف بذلك ; لأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم كان عن يمين الداخل إلى البيت لاصقا بالجدار ، والجدار الذي ألحد تحته هو القبلة فهو مانع من إدخال النبي صلى الله عليه وسلم من جهة القبلة ضرورة انتهى

قال في البدر المنير : بعد أن ذكر أنه أدخل صلى الله عليه وسلم من جهة القبلة وهو غير ممكن كما ذكره الشافعي في الأم ، وأطنب في الشناعة على من يقول ذلك ونسبه إلى الجهالة ومكابرة الحس . انتهى . قوله : ( ثم قال : أنشطوا الثوب ) بهمزة فنون فشين معجمة فطاء مهملة أي اختلسوه ، ذكر معناه في القاموس . وقد أخرج نحو هذه الزيادة يوسف القاضي بإسناد له عن رجل عن علي " أنه أتاهم وهم يدفنون قيسا وقد بسط الثوب على قبره فجذبه وقال : إنما يصنع هذا بالنساء " والطبراني عن أبي إسحاق أيضا أن عبد الله بن يزيد صلى على الحارث الأعور ، وفيه " ثم لم يدعهم يمدون ثوبا على القبر وقال : هكذا السنة .

" وقد رواه ابن أبي شيبة من طريق الثوري عن أبي إسحاق بلفظ : " شهدت جنازة الحارث فمدوا على قبره ثوبا " فجذبه عبد الله بن يزيد وقال : إنما هو رجل " ورواه البيهقي بإسناد صحيح إلى أبي إسحاق السبيعي أنه حضر جنازة الحارث الأعور ، فأمر عبد الله بن يزيد أن يبسطوا عليه ثوبا

قال الحافظ : لعل الحديث كان فيه : فأمر أن لا يبسطوا ، فسقطت لا ، أو كان فيه : فأبى بدل فأمر . وروى البيهقي من حديث ابن عباس قال : { جلل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر سعد بثوبه } قال البيهقي : لا أحفظه إلا من حديث يحيى بن عقبة بن أبي العيزار وهو ضعيف .

وروى عبد الرزاق عن الشعبي عن رجل أن سعد بن مالك قال : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فستر على القبر حتى دفن سعد بن معاذ فيه فكنت ممن أمسك الثوب } وهو إسناده هذا المبهم .

وقد أوله القائلون باختصاص ذلك بالمرأة على أنه إنما فعل صلى الله عليه وسلم ذلك بقبر سعد ; لأنه كان مجروحا وكان جرحه قد تغير . قوله : ( قال : بسم الله . . . إلخ ) فيه استحباب هذا الذكر عند وضع الميت في قبره

قوله : ( من قبل رأسه ) فيه دليل على أن المشروع أن يحثى على الميت من جهة رأسه . ويستحب أن يقول عند ذلك : { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } ذكره أصحاب الشافعي . وقال الهادي : بلغنا عن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه أنه كان إذا حثى على ميت قال : " اللهم إيمانا بك وتصديقا برسلك وإيقانا ببعثك ، هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله ثم قال : من فعل ذلك كان له بكل ذرة حسنة "

التالي السابق


الخدمات العلمية