صفحة جزء
باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى

1487 - ( عن عبد الله بن عمرو { أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة ، وأن هشام بن العاص نحر حصته خمسين ، وأن عمرا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : أما أبوك فلو أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك } رواه أحمد )

1488 - ( وعن أبي هريرة { أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أبي مات ولم يوص ، أفينفعه أن أتصدق عنه ؟ قال : نعم } رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه )

1489 - ( وعن عائشة { أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمي افتلتت نفسها ، وأراها لو تكلمت تصدقت ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال نعم } متفق عليه ) .

1490 - ( وعن ابن عباس { أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أمي توفيت ، أينفعها إن تصدقت عنها ؟ قال نعم قال : فإن لي مخرفا ، فأنا أشهدك أني قد تصدقت به عنها } رواه البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي )

1491 - ( وعن الحسن { عن سعد بن عبادة أن أمه ماتت فقال : يا رسول الله ، إن أمي ماتت أفأتصدق عنها ؟ قال : نعم قلت : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : سقي الماء } قال الحسن : فتلك سقاية آل سعد بالمدينة رواه أحمد والنسائي )


[ ص: 112 ] حديث سعد رجال إسناده عند النسائي ثقات ، ولكن الحسن لم يدرك سعدا ، وقد أخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه قوله : ( نحر حصته خمسين ) إنما كانت حصته خمسين ; لأن العاص بن وائل خلف ابنين هشاما وعمرا ، فأراد هشام أن يفي بنذر أبيه فنحر حصته من المائة التي نذرها وحصته خمسون ، وأراد عمرو أن يفعل كفعل أخيه فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره أن موت أبيه على الكفر مانع من وصول نفع ذلك إليه ، وأنه لو أقر بالتوحيد لأجزأ ذلك عنه ولحقه ثوابه

وفيه دليل على أن نذر الكافر بما هو قربة لا يلزم إذا مات على كفره وأما إذا أسلم وقد وقع منه نذر في الجاهلية ففيه خلاف ، والظاهر أنه يلزمه الوفاء بنذره لما أخرجه الشيخان من حديث ابن عمر { أن عمر قال : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فقال له صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك } وفي ذلك أحاديث يأتي ذكرها في باب من نذر وهو مشرك من كتاب النذور

قوله : ( نفعه ذلك ) فيه دليل على أن ما فعله الولد لأبيه المسلم من الصوم والصدقة يلحقه ثوابه . قوله : ( افتلتت ) بضم المثناة بعد الفاء الساكنة وبعدها لام مكسورة على صيغة المجهول ماتت فجأة كذا في القاموس ، وقوله : نفس بالضم على الأشهر نائب مناب الفاعل . قوله : ( وأراها ) بضم الهمزة بمعنى أظنها قوله : ( فإن لي مخرفا ) في رواية مخرافا ، والمخرف والمخراف : الحديقة من النخل أو العنب أو غيرهما قوله : ( قال : سقي الماء ) فيه دليل على أن سقي الماء أفضل الصدقة

ولفظ أبي داود : " فأي الصدقة أفضل ؟ قال : الماء ، فحفر بئرا وقال : هذه لأم سعد " وأخرج هذا الحديث الدارقطني في غرائب مالك وقد أخرج الموطأ من حديث سعيد بن سعد بن عبادة أنه { خرج سعد مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وحضرت أمه الوفاة بالمدينة ، فقال لها : أوصي ، فقالت : فيم أوصي والمال مال سعد ؟ فتوفيت قبل أن يقدم سعد } فذكر الحديث وقد قيل : إن الرجل المبهم في حديث عائشة وفي حديث ابن عباس هو سعد بن عبادة ، ويدل على ذلك أن البخاري أورد بعد حديث عائشة حديث ابن عباس بلفظ : { إن سعد بن عبادة قال : إن أمي ماتت وعليها نذر } وكأنه رمز إلى أن المبهم في حديث عائشة هو سعد وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما ويصل إليهما ثوابها فيخصص بهذه الأحاديث عموم قوله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد ، وقد ثبت أن ولد الإنسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى التخصيص وأما من غير الولد فالظاهر من العمومات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت فيوقف عليها حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها

وقد اختلف في غير الصدقة من أعمال البر هل يصل إلى الميت ؟ [ ص: 113 ] فذهبت المعتزلة إلى أنه لا يصل إليه شيء واستدلوا بعموم الآية وقال في شرح الكنز : إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة كان أو صوما أو حجا أو صدقة أو قراءة قرآن أو غير ذلك من جميع أنواع البر ، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه عند أهل السنة انتهى والمشهور من مذهب الشافعي وجماعة من أصحابه أنه لا يصل إلى الميت ثواب قراءة القرآن وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل ، كذا ذكره النووي في الأذكار وفي شرح المنهاج لابن النحوي : لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور ، والمختار الوصول إذا سأل الله إيصال ثواب قراءته ، وينبغي الجزم به ; لأنه دعاء ، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعي ، فلأن يجوز بما هو له أولى ، ويبقى الأمر فيه موقوفا على استجابة الدعاء

هذا المعنى لا يختص بالقراءة بل يجري في سائر الأعمال ، والظاهر أن الدعاء متفق عليه أنه ينفع الميت والحي القريب والبعيد بوصية وغيرها وعلى ذلك أحاديث كثيرة ، بل كان أفضل الدعاء أن يدعو لأخيه بظهر الغيب انتهى وقد حكى النووي في شرح مسلم الإجماع على وصول الدعاء إلى الميت ، وكذا حكى الإجماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصله ثوابها ولم يقيد ذلك بالولد . وحكى أيضا الإجماع على لحوق قضاء الدين ، والحق أنه يخصص عموم الآية بالصدقة من الولد كما في أحاديث الباب ، وبالحج من الولد كما في خبر الخثعمية ، ومن غير الولد أيضا كما في حديث المحرم عن أخيه شبرمة ، ولم يستفصله صلى الله عليه وسلم هل أوصى شبرمة أم لا ؟ وبالعتق من الولد كما وقع في البخاري في حديث سعد خلافا للمالكية على المشهور عندهم ، وبالصلاة من الولد أيضا ما روى الدارقطني { أن رجلا قال : يا رسول الله إنه كان لي أبوان أبرهما في حال حياتهما ، فكيف لي ببرهما بعد موتهما ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك ، وأن تصوم لهما مع صيامك } وبالصيام من الولد لهذا الحديث ، ولحديث عبد الله بن عمرو المذكور في الباب ، ولحديث ابن عباس عند البخاري ومسلم { إن امرأة قالت : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر ، فقال : أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها ؟ قالت نعم ، قال : فصومي عن أمك } وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي من حديث بريدة { أن امرأة قالت : إنه كان على أمي صوم شهر أفأصوم عنها ؟ قال : صومي عنها }

ومن غير الولد أيضا لحديث { من مات وعليه صيام صام عنه وليه } متفق عليه من حديث عائشة ، وبقراءة ( يس ) من الولد وغيره لحديث { اقرءوا على موتاكم يس } وقد تقدم ، وبالدعاء من الولد لحديث { أو ولد صالح يدعو له } ومن غيره لحديث { استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل } وقد تقدم ولحديث " فضل الدعاء للأخ بظهر الغيب " ولقوله تعالى [ ص: 114 ] { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } ولما ثبت من الدعاء للميت عند الزيارة كحديث بريدة عند مسلم وأحمد وابن ماجه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية } وبجميع ما يفعله الولد لوالديه من أعمال البر لحديث { ولد الإنسان من سعيه } وكما تخصص هذه الأحاديث الآية المتقدمة كذلك يخصص حديث أبي هريرة عند مسلم وأهل السنن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو عمل ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له } فإنه ظاهره أنه ينقطع عنه ما عدا هذه الثلاثة كائنا ما كان

وقد قيل إنه يقاس على هذه المواضع التي وردت بها الأدلة غيرها فيلحق الميت كل شيء فعله غيره وقال في شرح الكنز : إن الآية منسوخة بقوله تعالى { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم } وقيل الإنسان أريد به الكافر ، وأما المؤمن فله ما سعى إخوانه ، وقيل ليس له من طريق العدل وهو له من طريق الفضل ، وقيل اللام بمعنى على كما في قوله تعالى { ولهم اللعنة } أي وعليهم انتهى

التالي السابق


الخدمات العلمية