صفحة جزء
باب النهي عن النياحة والندب وخمش الوجوه ونشر الشعر ونحوه الرخصة في يسير الكلام من صفة الميت

1508 - ( عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ليس منا من ضرب الخدود ، وشق الجيوب ودعا بدعوة الجاهلية } ) .

1509 - ( وعن أبي بردة قال : { وجع أبو موسى وجعا فغشي عليه ورأسه في حجر امرأة من أهله ، فصاحت امرأة من أهله فلم يستطع أن يرد عليها شيئا ، فلما أفاق قال : أنا بريء ممن بريء منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء من الصالقة والحالقة والشاقة } )

1510 - ( وعن المغيرة بن شعبة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إنه من نيح عليه يعذب بما نيح عليه } )

1511 - ( وعن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الميت يعذب ببكاء الحي وفي رواية ببعض بكاء أهله عليه } ) .

1512 - ( وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم { إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه } ) .

1513 - ( وعن عائشة قالت : إنما قال رسول الله : { إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه } متفق على هذه الأحاديث ولأحمد ومسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الميت يعذب في قبره بما نيح عليه } )


[ ص: 125 ] قوله : ( ليس منا ) أي من أهل سنتنا وطريقتنا ، وليس المراد به إخراجه من الدين ، وفائدة إيراد هذا اللفظ المبالغة في الردع عن الوقوع في مثل ذلك كما يقول الرجل لولده عند معاتبته : لست منك ولست مني : أي ما أنت على طريقتي وحكي عن سفيان أنه كان يكره الخوض في تأويل هذه اللفظة ويقول : ينبغي أن نمسك عن ذلك ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر وقيل : المعنى ليس على ديننا الكامل : أي أنه خرج من فرع من فروع الدين ، وإن كان معه أصله حكاه ابن العربي

قال الحافظ : ويظهر لي أن هذا النفي يفسره التبرؤ الذي في حديث أبي موسى ، وأصل البراءة الانفصال من الشيء ، وكأنه توعده بأن لا يدخله في شفاعته مثلا قوله : ( من ضرب الخدود ) خص الخد بذلك لكونه الغالب وإلا فضرب بقية الوجه مثله قوله : ( وشق الجيوب ) جمع جيب بالجيم وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس ، والمراد بشقه إكمال فتحه إلى آخره ، وهو من علامات السخط قوله : ( ودعا بدعوة الجاهلية ) أي من النياحة ونحوها ، وكذا الندبة كقولهم واجبلاه ، وكذا الدعاء بالويل والثبور كما سيأتي قوله : ( وجع ) بكسر الجيم قوله : ( في حجر امرأة من أهله . . . . إلخ ) في رواية لمسلم : { أغمي على أبي موسى فأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنة } .

ولأبي نعيم في المستخرج على مسلم : { أغمي على أبي موسى فصاحت امرأته بنت أبي دومة } وذلك يدل على أن الصائحة أم عبد الله بنت أبي دومة واسمها صفية ، قاله عمر بن شبة في تاريخ البصرة قوله : ( أنا بريء ) قال المهلب : أي ممن فعل ذلك الفعل ولم يرد نفيه عن الإسلام

والبراءة : الانفصال كما تقدم قوله : ( الصالقة ) بالصاد المهملة والقاف : أي التي ترفع صوتها بالبكاء ويقال فيه بالسين بدل الصاد ومنه قوله تعالى: { سلقوكم بألسنة حداد } وعن ابن الأعرابي : الصلق : ضرب الوجه والأول أشهر قوله : ( والحالقة ) وهي التي تحلق شعرها عند المصيبة قوله : ( والشاقة ) هي التي تشق ثوبها ، ولفظ مسلم : { أنا بريء ممن حلق وصلق وخرق } أي حلق شعره وصلق صوته : أي رفعه وخرق ثوبه .

والحديثان يدلان على تحريم هذه الأفعال ; لأنها مشعرة بعدم الرضا بالقضاء قوله : { من نيح عليه يعذب بما نيح عليه } ظاهره وظاهر حديث عمر وابنه المذكورين بعده أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه

وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر هذه الأحاديث جماعة من السلف منهم عمر وابنه وروي عن أبي هريرة أنه رد هذه الأحاديث وعارضها بقوله : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ، وروى عنه أبو يعلى أنه قال : " تالله لئن انطلق رجل مجاهد في سبيل الله فاستشهد فعمدت امرأته سفها وجهلا فبكت عليه ، ليعذبن هذا الشهيد بذنب هذه السفيهة " وإلى هذا جنح جماعة من الشافعية منهم الشيخ أبو حامد وغيره .

وذهب جمهور العلماء إلى تأويل هذه الأحاديث [ ص: 126 ] لمخالفتها للعمومات القرآنية وإثباتها لتعذيب من لا ذنب له واختلفوا في التأويل فذهب جمهورهم كما قال النووي إلى تأويلها بمن أوصى بأن يبكى عليه ; لأنه بسببه ومنسوب إليه ، قالوا : وقد كان ذلك من عادة العرب كما قال طرفة بن العبد :

إذا مت فابكيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا أم معبد

قال في الفتح : واعترض بأن التعذيب بسبب الوصية يستحق بمجرد صدور الوصية والحديث دال على أنه إنما يقع عند الامتثال

والجواب أنه ليس في السياق حصر فلا يلزم من وقوعه عند الامتثال أن لا يقع إذا لم يمتثلوا مثلا انتهى .

ومن التأويلات ما حكاه الخطابي أن المراد أن مبدأ عذاب الميت يقع عند بكاء أهله عليه ، وذلك أن شدة بكائهم غالبا إنما تقع عند دفنه ، وفي تلك الحال يسأل ويبتدأ به عذاب القبر ، فيكون معنى الحديث على هذا أن الميت يعذب حال بكاء أهله عليه ، ولا يلزم من ذلك أن يكون بكاؤهم سببا لتعذيبه

قال الحافظ : ولا يخفى ما فيه من التكلف ، ولعل قائله أخذه من قول عائشة : إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنه ليعذب بمعصيته أو بذنبه ، وإن أهله ليبكون عليه الآن } أخرجه مسلم ومنها ما جزم به القاضي أبو بكر بن الباقلاني وغيره أن الراوي سمع بعض الحديث ولم يسمع بعضه ، وأن اللام في الميت لمعهود معين واحتجوا بما أخرجه مسلم من حديث عائشة أنها قالت : يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكن نسي أو أخطأ ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية فذكرت الحديث وأخرج البخاري نحوه عنها ومنها أن ذلك يختص بالكافر دون المؤمن واستدل لذلك بحديث عائشة المذكور في الباب قال في الفتح : وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة وفيها إشعار بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر ، بل بما استشعرت من معارضة القرآن

وقال القرطبي : إنكار عائشة ذلك وحكمها على الراوي بالتخطئة والنسيان ، أو على أنه سمع بعضا أو لم يسمع بعضا بعيد ; لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون وهم جازمون ، فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح ومنها أن ذلك يقع لمن أهمل نهي أهله عن ذلك وهو قول داود وطائفة قال ابن المرابط : إذا علم المرء ما جاء في النهي عن النوح وعرف أن أهله من شأنهم أن يفعلوا ذلك ولم يعلمهم بتحريمه ولا زجرهم عن تعاطيه ، فإذا عذب على ذلك عذب بفعل نفسه لا بفعل غيره بمجرده

ومنها أنه يعذب بسبب الأمور التي يبكيه أهله بها ويندبونه لها ، فهم يمدحونه بها وهو يعذب بصنيعه ، وذلك كالشجاعة فيما لا يحل ، والرياسة المحرمة ، وهذا اختيار ابن حزم وطائفة . واستدل بحديث ابن عمر المتقدم بلفظ : " ولكن يعذب بهذا " وأشار إلى لسانه وقد رجح هذا [ ص: 127 ] الإسماعيلي وقال : قد كثر كلام العلماء في هذه المسألة وقال كل فيها باجتهاده على حسب ما قدر له ومن أحسن ما حضرني وجه لم أرهم ذكروه ، وهو أنهم كانوا في الجاهلية يغزون ويسبون ويقتلون ، وكان أحدهم إذا مات بكته باكيته بتلك الأفعال المحرمة فمعنى الخبر أن الميت يعذب بذلك الذي يبكي عليه أهله به ; لأن الميت يندب بأحسن أفعاله ، وكانت محاسن أفعالهم ما ذكر وهي زيادة ذنب في ذنوبه يستحق عليها العقاب ومنها أن معنى التعذيب توبيخ الملائكة له بما يندبه أهله ، ويدل على ذلك حديث أبي موسى وحديث النعمان بن بشير الآتيان ومنها أن معنى التعذيب تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة وغيرها ، وهذا اختيار أبي جعفر الطبري ، ورجحه ابن المرابط وعياض ومن تبعه ، ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين

واستدلوا لذلك بما أخرجه ابن أبي خيثمة وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم من حديث قيلة بفتح القاف وسكون الياء التحتية وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { فوالذي نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه ، فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم } قال الحافظ : وهو حسن الإسناد وأخرج أبو داود والترمذي أطرافا منه قال الطبري : ويؤيد ما قال أبو هريرة إن أعمال العباد تعرض على أقربائهم من موتاهم ، ثم ساقه بإسناد صحيح وقد وهم المغربي في شرح بلوغ المرام فجعل قول أبي هريرة هذا حديثا وصحف الطبري بالطبراني

ومن أدلة هذا التأويل حديث النعمان بن بشير الآتي ، وكذلك حديث أبي موسى لما فيهما من أن ذلك يبلغ الميت قال ابن المرابط : حديث قيلة نص في المسألة فلا يعدل عنه . واعترضه ابن رشيد فقال : ليس نصا وإنما هو محتمل فإن قوله : يستعبر إليه صويحبه ليس نصا في أن المراد به الميت ، بل يحتمل أن يراد به صاحبه الحي ، وأن الميت حينئذ يعذب ببكاء الجماعة عليه قال في الفتح : ويحتمل أن يجمع بين هذه التأويلات فينزل على اختلاف الأشخاص ; بأن يقال مثلا : من كان طريقته النوح فمشى أهله على طريقته أو بالغ فأوصاهم بذلك عذب بصنيعه ، ومن كان ظالما فندب بأفعاله الجائرة عذب بما ندب به ، ومن كان يعرف من أهله النياحة وأهمل نهيهم عنها فإن كان راضيا بذلك التحق بالأول ، وإن كان غير راض عذب بالتوبيخ كيف أهمل النهي ، ومن سلم من ذلك كله واحتاط فنهى أهله عن المعصية ثم خالفوه وفعلوا ذلك كان تعذيبه تألمه بما يراه منه من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربهم عز وجل قال : وحكى الكرماني تفصيلا آخر وحسنه ، وهو التفرقة بين حال البرزخ وحال يوم القيامة ، فيحمل قوله : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ، على يوم القيامة ، وهذا الحديث وما أشبهه على البرزخ انتهى . وأنت خبير بأن الآية عامة ; لأن الوزر المذكور فيها واقع في سياق النفي ، والأحاديث المذكورة في الباب مشتملة على وزر [ ص: 128 ] خاص ، وتخصيص العمومات القرآنية بالأحاديث الآحادية هو المذهب المشهور الذي عليه الجمهور ، فلا وجه لما وقع من رد الأحاديث بهذا العموم ولا ملجأ إلى تجشم المضايق لطلب التأويلات المستبعدة باعتبار الآية

وأما ما روته عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك في الكافر أو في يهودية معينة فهو غير مناف لرواية غيرها من الصحابة ; لأن روايتهم مشتملة على زيادة ، والتنصيص على بعض أفراد العام لا يوجب نفي الحكم عن بقية الأفراد لما تقرر في الأصول من عدم صحة التخصيص بموافق العام ، والأحاديث التي ذكر فيها تعذيب مختص بالبرزخ أو بالتألم أو بالاستعبار كما في حديث قيلة لا تدل على اختصاص التعذيب المطلق في الأحاديث بنوع منها ; لأن التنصيص على ثبوت الحكم لشيء بدون مشعر بالاختصاص به لا ينافي ثبوته لغيره فلا إشكال من هذه الحيثية ، وإنما الإشكال في التعذيب بلا ذنب ، وهو مخالف لعدل الله وحكمته على فرض عدم حصول سبب من الأسباب التي يحسن عندها في مقتضى الحكمة كالوصية من الميت بالنوح وإهمال نهيهم عنه والرضا به ، وهذا يئول إلى مسألة التحسين والتقبيح والخلاف فيها بين طوائف المتكلمين معروف ، ونقول : ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه فسمعنا وأطعنا ولا نزيد على هذا واعلم أن النووي حكى إجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم أن المراد بالبكاء الذي يعذب الميت عليه هو البكاء بصوت ونياحة لا بمجرد دمع العين

1514 - ( وعن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة } وقال : { النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب } رواه أحمد ومسلم ) .

1515 - ( وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة : واعضداه واناصراه واكاسباه ، جبذ الميت وقيل له : أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسبها ؟ } رواه أحمد وفي لفظ { ما من ميت يموت فيقوم باكيه فيقول : واجبلاه واسنداه أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه أهكذا كنت ؟ رواه الترمذي ) } [ ص: 129 ]

1516 - ( وعن النعمان بن بشير قال : أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته عمرة تبكي : واجبلاه واكذا واكذا تعدد عليه ، فقال حين أفاق : ما قلت شيئا إلا قيل لي أنت كذلك ; فلما مات لم تبك عليه رواه البخاري ) حديث أبي موسى رواه أيضا الحاكم وصححه وحسنه الترمذي . وحديث النعمان أخرجه البخاري في المغازي من صحيحه وأخرجه أيضا مسلم قوله : ( والطعن في الأنساب ) هو من المعاصي التي يتساهل فيها العصاة

وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب ، والنياحة على الميت } وقد اختلف في توجيه إطلاق الكفر على من فعل هاتين الخصلتين قال النووي : فيه أقوال أصحها أن معناه هما من أعمال الكفار وأخلاق الجاهلية والثاني أنه يؤدي إلى الكفر والثالث كفر النعمة والإحسان والرابع أن ذلك في المستحل انتهى .

قوله : ( والاستسقاء بالنجوم ) هو قول القائل : مطرنا بنوء كذا ، أو سؤال المطر من الأنواء فإن كان ذلك على جهة اعتقاد أنها المؤثرة في نزول المطر فهو كفر وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله : { أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب } وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذه الأربع لا تتركها أمته من علامات نبوته ، فإنها باقية فيهم على تعاقب العصور وكرور الدهور لا يتركها من الناس إلا النادر القليل قوله : { الميت يعذب ببكاء الحي } قد تقدم الكلام عليه

قوله : ( واعضداه ) . . . إلخ أي أنه كان لها كالعضد وكان لها ناصرا وكاسبا وكان لها كالجبل تأوي إليه عند طروق الحوادث فتعتصم به ومستندا تستند إليه في أمورها قوله : ( يلهزانه ) أي يلكزانه وهذه الأحاديث تدل على تحريم النياحة وهو مذهب العلماء كافة كما قال النووي إلا ما يروى عن بعض المالكية فإنه قال : النياحة ليست بحرام ، واستدل بما أخرجه مسلم عن { أم عطية قالت : لما نزلت هذه الآية : { يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا } - إلى - { ولا يعصينك في معروف } ، قالت كان منه النياحة ، قالت : فقلت : يا رسول الله : إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية ، فلا بد لي من أن أسعدهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا آل فلان وغاية ما فيه الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة } ، فما الدليل على حل ذلك لغيرها في غير آل فلان ؟ وللشارع أن يخص من العموم ما شاء

وقد استشكل القاضي عياض هذا الحديث ولا مقتضى لذلك فإن [ ص: 130 ] للشارع أن يخص من شاء بما شاء وقد ورد لعن النائحة والمستمعة من حديث أبي سعيد عند أحمد ومن حديث ابن عمر عن الطبراني والبيهقي ومن حديث أبي هريرة عند ابن عدي قال الحافظ في التلخيص : وكلها ضعيفة وأخرج مسلم من حديث أم عطية أيضا قالت : { أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البيعة أن لا ننوح ، فما وفت منا امرأة إلا خمس ، فذكرت منهن أم سليم وأم العلاء وابنة أبي سبرة وامرأة معاذ } وثبت عنه صلى الله عليه وسلم { أنه أمر رجلا أن ينهى نساء جعفر عن البكاء } كما في البخاري ومسلم ، والمراد بالبكاء هنا النوح كما تقدم

1517 - ( وعن أنس قال : { لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب ، فقالت فاطمة : واكرب أبتاه ، فقال : ليس على أبيك كرب بعد اليوم فلما مات قالت : يا أبتاه أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل ننعاه فلما دفن قالت فاطمة : أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب } رواه البخاري ) .

1518 - ( وعن أنس { أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فوضع فمه بين عينيه ووضع يديه على صدغيه وقال : وانبياه واخليلاه واصفياه } رواه أحمد )

قوله : ( في حديث أنس الأول : واكرب أبتاه ) قال في الفتح : في هذا نظر ، وقد رواه مبارك بن فضالة عن ثابت بلفظ " واكرباه " قوله : ( أطابت أنفسكم ) قال في الفتح : ولسان حال أنس لم تطب أنفسنا لكن قهرناها امتثالا لأمره

وقد قال أبو سعيد : ما نفضنا أيدينا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا . ومثله عن أنس يريد أن تغيرت عما عهدنا من الألفة والصفاء والرقة لفقدان ما كان يمدهم به من التعليم . ويؤخذ من قول فاطمة . . . إلخ جواز ذكر الميت بما هو متصف به إن كان معلوما قال الكرماني : ليس هذا من نوح الجاهلية من الكذب ورفع الصوت وغيره إنما هو ندبة مباحة انتهى . وعلى فرض صدق اسم النوح في لسان الشارع على مثل هذا فليس في فعل فاطمة وأبي بكر دليل على جواز ذلك ; لأن فعل الصحابي لا يصلح للحجية كما تقرر في الأصول ويحمل ما وقع عنهما على أنهما لم يبلغهما أحاديث النهي عن ذلك الفعل ، ولم ينقل أن ذلك وقع منهما بمحضر جميع الصحابة حتى يكون كالإجماع منهم على الجواز لسكوتهم على الإنكار والأصل أيضا عدم ذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية