صفحة جزء
باب السواك للصائم

125 - ( عن عامر بن ربيعة قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو [ ص: 139 ] صائم } . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال : حديث حسن ) .


قال الحافظ : رواه أصحاب السنن وابن خزيمة وعلقه البخاري ، وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف ، قال ابن خزيمة : وأنا أبرأ من عهدته لكن حسن الحديث غيره . وقال الحافظ أيضا : إسناده حسن . والحديث يدل على استحباب السواك للصائم من غير تقييد بوقت دون وقت ، وهو يرد على الشافعي قوله بالكراهة بعد الزوال للصائم مستدلا بحديث الخلوف الذي سيأتي . وقد نقل الترمذي أن الشافعي قال : لا بأس بالسواك للصائم أول النهار وآخره .

واختاره جماعة من أصحابه منهم : أبو شامة وابن عبد السلام والنووي والمزني . قال ابن عبد السلام في قواعده الكبرى : وقد فضل الشافعي تحمل الصائم مشقة رائحة الخلوف على إزالته بالسواك مستدلا بأن ثوابه أطيب من ريح المسك ، ولا يوافق الشافعي على ذلك إذ لا يلزم من ذكر ثواب العمل أن يكون أفضل من غيره ، لأنه لا يلزم من ذكر الفضيلة حصول الرجحان بالأفضلية ، ألا ترى أن الوتر عند الشافعي في قوله الجديد أفضل من ركعتي الفجر مع قوله : عليه الصلاة والسلام { ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها } وكم من عبادة قد أثنى الشارع عليها وذكر فضيلتها ، وغيرها أفضل منها ، وهذا من باب تزاحم المصلحتين اللتين لا يمكن الجمع بينهما ، فإن السواك نوع من التطهر المشروع لأجل الرب سبحانه ، لأن مخاطبة العظماء مع طهارة الأفواه تعظيم لا شك فيه ، ولأجله شرع السواك ، وليس في الخلوف تعظيم ولا إجلال فكيف يقال : إن فضيلة الخلوف تربو على تعظيم ذي الجلال بتطييب الأفواه إلى أن قال : والذي ذكره الشافعي رحمه اللهتخصيص للعام بمجرد الاستدلال المذكور المعارض بما ذكرنا .

قال الحافظ في التلخيص : استدلال أصحابنا بحديث خلوف فم الصائم على كراهة الاستياك بعد الزوال لمن يكون صائما فيه نظر ، لكن في رواية للدارقطني عن أبي هريرة قال : { لك السواك إلى العصر ، فإذا صليت فألقه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لخلوف فم الصائم } الحديث ، قال : وقد عارضه حديث عامر بن ربيعة يعني حديث الباب ، وقال : وفي الباب حديث علي : " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي ، فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كانتا له نورا بين عينيه يوم القيامة " أخرجه البيهقي ، قال الحافظ : وإسناده ضعيف انتهى .

وقول أبي هريرة مع كونه لا يدل على المطلوب لا حجة فيه على أن فيه عمر بن قيس وهو متروك ، وكذلك حديث علي مع ضعفه لم يصرح فيه بالرفع ، فالحق أنه يستحب السواك للصائم أول النهار وآخره وهو مذهب جمهور الأئمة . [ ص: 140 ]

126 - ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من خير خصال الصائم السواك } . رواه ابن ماجه ، قال البخاري : وقال ابن عمر يستاك أول النهار وآخره ) . الحديث قال في التلخيص : هو ضعيف .

ورواه أبو نعيم من طريقين أخريين عنها ، وروى النسائي في الكنى ، والعقيلي وابن حبان في الضعفاء والبيهقي من طريق عاصم عن أنس : { يستاك الصائم أول النهار وآخره برطب السواك ويابسه } .

ورفعه ، وفيه إبراهيم بن بيطار الخوارزمي ، قال البيهقي : انفرد به إبراهيم بن بيطار ، ويقال : إبراهيم بن عبد الرحمن قاضي خوارزم وهو منكر الحديث . وقال ابن حبان : لا يصح ، ولا أصل له من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا من حديث أنس ، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات .

قال الحافظ : قلت : له شاهد من حديث معاذ رواه الطبراني في الكبير ، وقال أحمد بن منيع في مسنده : حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا يحيى بن حمزة عن النعمان بن المنذر عن عطاء وطاوس ومجاهد عن ابن عباس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم تسوك وهو صائم } . والحديث يدل على أن السواك من خير خصال الصائم من غير فرق بين قبل الزوال وبعده ، وقد تقدم الكلام على ذلك في الحديث الأول .

127 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك } . متفق عليه ) . الحديث له طرق وألفاظ ، ورواه مسلم من حديث أبي سعيد . والبزار من حديث علي ، وابن حبان من حديث الحارث الأشعري . وأحمد من حديث ابن مسعود . والحسن بن سفيان من حديث جابر . قوله : ( لخلوف ) بضم الخاء ، قال القاضي عياض : قيدناه عن المتقنين بالضم ، وأكثر المحدثين يفتحون خاءه وهو خطأ . وعده الخطابي في غلطات المحدثين ، وهو تغير رائحة الفم .

وقد استدل الشافعي بالحديث على كراهة الاستياك بعد الزوال للصائم ، لأنه يزيل الخلوف الذي هو أطيب عند الله من ريح المسك ، وهذا الاستدلال لا ينتهض لتخصيص الأحاديث القاضية باستحباب السواك على العموم ، ولا على معارضة تلك الخصوصيات . وقد سبق الكلام على ذلك في حديث [ ص: 141 ] عامر بن ربيعة . قال المصنف رحمه الله: وبه احتج من كره السواك للصائم بعد الزوال ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية