صفحة جزء
باب براءة رب المال بالدفع إلى السلطان مع العدل والجور وأنه إذا ظلم بزيادة لم يحتسب به عن شيء

1575 - ( عن أنس { أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله ؟ قال : نعم إذا أديتها إلى رسول فقد برئت منها إلى الله ورسوله ، فلك أجرها وإثمها على من بدلها } مختصر لأحمد . وقد احتج بعمومه من يرى المعجلة إلى الإمام إذا هلكت عنده من ضمان الفقراء دون الملاك ) .

1576 - ( وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها ، قالوا : يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال : تؤدون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم } متفق عليه ) .

1577 - ( وعن وائل بن حجر قال : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله فقال : أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم ؟ فقال : اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم } رواه مسلم والترمذي وصححه ) .


الحديث الأول : أخرجه أيضا الحارث بن وهب ، وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه .

وفي الباب عن جابر بن عتيك مرفوعا عند أبي داود بلفظ : { سيأتيكم ركب مبغضون ، فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليها ، وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم } ، وعن سعد بن أبي وقاص عند الطبراني في الأوسط مرفوعا { ادفعوا إليهم ما صلوا الخمس } وعن ابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة [ ص: 185 ] وأبي سعيد عند سعيد بن منصور وابن أبي شيبة : " أن رجلا سألهم عن الدفع إلى السلطان ، فقالوا : ادفعها إلى السلطان " وفي رواية " أنه قال لهم : هذا السلطان يفعل ما ترون . فأدفع إليه زكاتي ؟ قالوا : نعم " ورواه البيهقي عنهم وعن غيرهم أيضا .

وروى ابن أبي شيبة من طريق قزعة قال : قلت لابن عمر : " إن لي مالا فإلى من أدفع زكاته ؟ قال : ادفعها إلى هؤلاء القوم : يعني الأمراء ، قلت : إذا يتخذون بها ثيابا وطيبا ، قال : وإن " وفي رواية " أنه قال : ادفعوا صدقة أموالكم إلى من ولاه الله أمركم ، فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها "

وفي الباب أيضا عند البيهقي عن أبي بكر الصديق والمغيرة بن شعبة وعائشة وأخرج البيهقي أيضا عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه قال : " ادفعوها إليهم وإن شربوا الخمور " وأخرج أيضا من حديث أبي هريرة : { إذا أتاك المصدق فأعطه صدقتك ، فإن اعتدى عليك فوله ظهرك ولا تلعنه وقل : اللهم إني أحتسب عندك ما أخذ مني } قوله : ( أثرة ) بفتح الهمزة والثاء المثلثة : هي اسم لاستئثار الرجل على أصحابه

والأحاديث المذكورة في الباب استدل بها الجمهور على جواز دفع الزكاة إلى سلاطين الجور وإجزائها . وحكى المهدي في البحر عن العترة وأحد قولي الشافعي أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الظلمة ولا يجزئ ، واستدلوا بقوله تعالى : { لا ينال عهدي الظالمين } ، ويجاب بأن هذه الآية على تسليم صحة الاستدلال بها على محل النزاع عمومها مخصص بالأحاديث المذكورة في الباب . وقد زعم بعض المتأخرين أن الأدلة المذكورة لا تدل على مطلوب المجوزين لأنها في المصدق ، والنزاع في الوالي وهو غفلة عن حديث ابن مسعود وحديث وائل بن حجر المذكورين في الباب . وقد حكي في التقرير عن أحمد بن عيسى والباقر مثل قول الجمهور ، وكذلك عن المنصور وأبي مضر . وقد استدل للمانعين أيضا بما رواه ابن أبي شيبة عن خيثمة قال : سألت ابن عمر عن الزكاة فقال : ادفعها إليهم ، ثم سألته بعد ذلك فقال : لا تدفعها إليه فإنهم قد أضاعوا الصلاة . وهذا مع كونه قول صحابي ولا حجة فيه ضعف الإسناد لأنه من رواية جابر الجعفي

ومن جملة ما احتج به صاحب البحر للقائلين بالجواز : بأنها لم تزل تؤخذ كذلك ولا تعاد ، وبأن عليا لم يثن على من أعطى الخوارج ، وأجاب عن الأول بأنه ليس بإجماع وعن الثاني بأن ذلك كان لعذر أو مصلحة إذ لا تصريح بالإجزاء ، ولا يخفى ضعف هذا الجواب ، والحق ما ذهب إليه الجمهور من الجواز والإجزاء .

1578 - ( وعن بشير ابن الخصاصية قال : { قلنا : يا رسول الله : إن قوما من [ ص: 186 ] أصحاب الصدقة يعتدون علينا ، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا ؟ فقال : لا } رواه أبو داود ) .

الحديث أخرجه أيضا عبد الرزاق وسكت عنه أبو داود والمنذري ، وفي إسناده ديسم السدوسي ، ذكره ابن حبان في الثقات . وقال في التقريب : مقبول

وفي الباب عن جرير بن عبد الله وأبي هريرة عند البيهقي . والحديث استدل به على أنه لا يجوز كتم شيء عن المصدقين وإن ظلموا وتعدوا . وقد عورض ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : " من سئل فوق ذلك فلا يعطه " كما تقدم في حديث أنس الطويل الذي رواه عن كتاب أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم . وتقدم الجمع بين هذا الحديث وبين ذلك هنالك . قال ابن رسلان : لعل المراد بالمنع من الكتم أن ما أخذه الساعي ظلما يكون في ذمته لرب المال ، فإن قدر المالك على استرجاعه منه استرجعه وإلا استقر في ذمته

التالي السابق


الخدمات العلمية