صفحة جزء
باب الختان

131 - ( عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة ، واختتن بالقدوم } . متفق عليه إلا أن مسلما لم يذكر السنين ) .


قوله : ( الختان ) بكسر المعجمة وتخفيف المثناة مصدر ختن أي قطع ، والختن بفتح ثم سكون قطع بعض مخصوص من عضو مخصوص ، والاختتان والختان اسم لفعل الخاتن ، ولموضع الختان كما في حديث عائشة ( إذا التقى الختانان ) قال الماوردي : ختان الذكر : قطع الجلدة التي تغطي الحشفة والمستحب أن تستوعب من أصلها عند أول الحشفة ، وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغشى به .

وقال إمام الحرمين : المستحق في الرجال قطع القلفة وهي الجلدة التي تغطي الحشفة حتى لا يبقى من الجلدة شيء يتدلى . وقال ابن [ ص: 145 ] الصباغ : حتى تنكشف جميع الحشفة . وقال ابن كج فيما نقله الرافعي : يتأدى الواجب بقطع شيء مما فوق الحشفة وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها . قال النووي : وهو شاذ والأول هو المعتمد ، قال الإمام : والمستحق من ختان المرأة ما ينطلق عليه الاسم ، وقال الماوردي : ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها فوق مدخل الذكر ، كالنواة أو كعرف الديك ، والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصاله ، قال النووي ويسمى ختان الرجل : إعذار بذال معجمة ، وختان المرأة : خفضا بخاء وضاد معجمتين .

وقال أبو شامة : كلام أهل اللغة يقتضي تسمية الكل إعذارا ، والخفض يختص بالنساء ، قال أبو عبيد : عذرت الجارية والغلام وأعذرتهما ختنتهما واختتنتهما وزنا ومعنى . قال الجوهري : والأكثر خفض الجارية ، قال : وتزعم العرب أن الولد إذا ولد في القمر اتسعت قلفته فصار كالمختون ، وقد استحب جماعة من العلماء فيمن ولد مختونا أن يمر بالموسى على موضع الختان من غير قطع . قال أبو شامة : وغالب من يكون كذلك لا يكون ختانه تاما بل يظهر طرف الحشفة فإن كان كذلك وجب تكميله

قوله : ( بالقدوم ) بفتح القاف وضم الدال وتخفيفها : آلة النجارة ، وقيل اسم الموضع الذي اختتن فيه إبراهيم ، وهو الذي في القاموس يقال : بل قد ذكر في باب فضل إبراهيم الخليل من رواية أبي هريرة مع ذكر السنين .

وأورد المصنف الحديث في هذا الباب للاستدلال به على أن مدة الختان لا تختص بوقت معين ، وهو مذهب الجمهور وليس بواجب في حال الصغر ، وللشافعية وجه أنه يجب على الولي أن يختن الصغير قبل بلوغه ، ويرده حديث ابن عباس الآتي ، ولهم أيضا وجه أنه يحرم قبل عشر سنين ، ويرده حديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم ختن الحسن والحسين يوم السابع من ولادتهما } أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث عائشة وأخرجه البيهقي من حديث جابر .

قال النووي بعد أن ذكر هذين الوجهين : وإذا قلنا بالصحيح استحب أن يختتن في اليوم السابع من ولادته ، وهل يحسب يوم الولادة من السبع أو يكون سبعة سواه ، فيه وجهان أظهرهما يحسب انتهى .

واختلف في وجوب الختان فروى الإمام يحيى عن العترة والشافعي وكثير من العلماء أنه واجب في حق الرجال والنساء . وعند مالك وأبي حنيفة والمرتضى ، قال النووي : وهو قول أكثر العلماء أنه سنة فيهما . وقال الناصر والإمام يحيى إنه واجب في الرجال لا النساء . احتج الأولون بما سيأتي من حديث عثيم بلفظ : { ألق عنك شعر الكفر واختتن } وهو لا ينتهض للحجية لما فيه من المقال الذي سنبينه هنالك .

وبحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أسلم فليختتن ) وقد ذكره الحافظ في التلخيص ، ولم يضعفه ، وتعقب بقول ابن المنذر : ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع . وبحديث أم عطية - وكانت خافضة - بلفظ : { أشهي ولا تنهكي } [ ص: 146 ] عند الحاكم والطبراني والبيهقي وأبي نعيم من حديث الضحاك بن قيس . وقد اختلف فيه على عبد الملك بن عمير فقيل عنه عن الضحاك . وقيل عنه عن عطية القرظي ، رواه أبو نعيم . وقيل عنه عن أم عطية رواه أبو داود في السنن ، وأعله بمحمد بن حسان . فقال : إنه مجهول ضعيف ، وتبعه ابن عدي في تجهيله ، والبيهقي ، وخالفهم عبد الغني بن سعيد فقال : هو محمد بن سعيد المصلوب في الزندقة

، رواه ابن عدي من حديث سالم بن عبد الله بن عمر . والبزار من حديث نافع كلاهما عن عبد الله بن عمر مرفوعا بلفظ : { يا نساء الأنصار اختضبن غمسا واختفضن ولا تنهكن وإياكن وكفران النعم } قال الحافظ : وفي إسناد أبي نعيم مندل بن علي وهو ضعيف ، وفي إسناد ابن عدي خالد بن عمرو القرشي وهو أضعف من مندل . ورواه الطبراني وابن عدي من حديث أنس نحو حديث أبي داود ، قال ابن عدي : تفرد به زائدة وهو منكر ، قاله البخاري عن ثابت . وقال الطبراني : تفرد به محمد بن سلام .

واحتج القائلون بأنه سنة بحديث : { الختان سنة في الرجال مكرمة في النساء } رواه أحمد والبيهقي من حديث الحجاج بن أرطاة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه ، والحجاج مدلس ، وقد اضطرب فيه قتادة ، رواه هكذا ، وتارة رواه بزيادة شداد بن أوس بعد والد أبي المليح ، أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم في العلل والطبراني في الكبير ، وتارة رواه عن مكحول عن أبي أيوب ، أخرجه أحمد وذكره ابن أبي حاتم في العلل ، وحكي عن أبيه أنه خطأ من حجاج أو من الراوي عنه وهو عبد الواحد بن زياد .

وقال البيهقي : هو ضعيف منقطع . وقال ابن عبد البر في التمهيد : هذا الحديث يدور على حجاج بن أرطاة ، وليس ممن يحتج به . قال الحافظ : وله طريق أخرى من غير رواية حجاج ، فقد رواه الطبراني في الكبير ، والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا ، وضعفه البيهقي في السنن ، وقال في المعرفة : لا يصح رفعه وهو من رواية الوليد عن أبي ثوبان عن ابن عجلان عن عكرمة عنه ، ورواته موثقون إلا أن فيه تدليسا ا هـ .

ومع كون الحديث لا يصلح للاحتجاج لا حجة فيه على المطلوب لأن لفظة السنة في لسان الشارع أعم من السنة في اصطلاح الأصوليين . واحتج المفصلون بوجوبه على الرجال بحجج القول الأول . ولعدم وجوبه على النساء بما في الحديث الذي احتج به أهل القول الثاني من قوله : ( مكرمة في النساء ) والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب والمتيقن السنية كما في حديث : ( خمس من الفطرة ) ونحوه ، والواجب الوقوف على المتيقن إلى أن يقوم ما يوجب الانتقال عنه .

قال البيهقي : أحسن الحجج أن يحتج بحديث أبي هريرة المذكور في الباب أن إبراهيم اختتن وهو ابن ثمانين ، وقد قال الله تعالى : { ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا } وصح عن ابن عباس أن الكلمات التي [ ص: 147 ] ابتلي بهن إبراهيم فأتمهن هن خصال الفطرة ومنهن الختان . والابتلاء غالبا إنما يقع بما يكون واجبا ، وتعقب بأنه لا يلزم ما ذكر إلا إن كان إبراهيم فعله على سبيل الوجوب ، فإنه من الجائز أن يكون فعله على سبيل الندب فيحصل امتثال الأمر باتباعه على وفق ما فعل ، وقد تقرر أن الأفعال لا تدل على الوجوب . وأيضا فباقي الكلمات العشر ليست واجبة . وقال الماوردي : إن إبراهيم لا يفعل ذلك في مثل سنه إلا عن أمر من الله .

والحاصل أن الاستدلال بفعل إبراهيم على الوجوب يتوقف على أنه كان عليه واجبا ، فإن ثبت ذلك استقام الاستدلال .

132 - ( وعن سعيد بن جبير قال : سئل ابن عباس : مثل من أنت حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك رواه البخاري ) . قوله : ( حتى يدرك ) والإدراك في أصل اللغة بلوغ الشيء وقته وأراد به ههنا البلوغ ، والحديث يدل على ما أسلفناه من أن الختان غير مختص بوقت معين ، وقد تقدم الكلام فيه في الحديث الذي قبله ، ومن فوائد هذا الحديث أن ابن عباس كان عند موت النبي صلى الله عليه وسلم في سن البلوغ ، وسيأتي ذكر الاختلاف في عمره عند موت النبي صلى الله عليه وسلم في باب ما يقطع الصلاة بمروره من أبواب السترة .

133 - ( وعن ابن جريج قال : أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد أسلمت ، قال : { ألق عنك شعر الكفر } يقول احلق ، قال : وأخبرني آخر معه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لآخر : { ألق عنك شعر الكفر واختتن } . رواه أحمد وأبو داود ) . وأخرجه أيضا الطبراني وابن عدي والبيهقي ، قال الحافظ : وفيه انقطاع وعثيم وأبوه مجهولان قاله ابن القطان ، وقال عبدان : هو عثيم بن كثير بن كليب ، والصحابي هو كليب ، وإنما نسب عثيم في الإسناد إلى جده ، وقد وقع مبينا في رواية الواقدي ، أخرجه ابن منده في المعرفة ، وقال ابن عدي : الذي أخبر ابن جريج به هو إبراهيم بن أبي يحيى ، وعثيم بضم العين المهملة ثم ثاء مثلثة بلفظ التصغير

، والحديث استدل به من قال بوجوب الختان لما فيه من لفظ الأمر به ، وقد تقدم الكلام عليه .

[ ص: 148 ] فائدة ) اختلف في ختان الخنثى فقيل : يجب ختانه في فرجيه قبل البلوغ . وقيل : لا يجوز حتى يتبين ، وهو الأظهر قاله النووي . وأما من له ذكران فإن كانا عاملين وجب ختانهما وإن كان أحدهما عاملا دون الآخر ختن ، وإذا مات إنسان قبل أن يختن فلأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه : الصحيح المشهور : لا يختن كبيرا كان أو صغيرا ، الثاني : يختن ، والثالث : يختن الكبير دون الصغير .

التالي السابق


الخدمات العلمية