صفحة جزء
باب فضل الصدقة على الزوج والأقارب

1616 - ( عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن ، قالت : فرجعت إلى عبد الله فقلت : إنك رجل خفيف ذات اليد ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فأته فاسأله ، فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم قالت : فقال عبد الله : بل ائتيه أنت ، قالت : فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها ، قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة ، قالت : فخرج علينا بلال فقلنا له : ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك : أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما ، وعلى أيتام في حجورهما ، ولا تخبر من نحن ، قالت : فدخل بلال فسأله ، قال له : [ ص: 210 ] من هما ؟ فقال : امرأة من الأنصار وزينب ، فقال : أي الزيانب ؟ فقال امرأة عبد الله ، فقال : لهما أجران : أجر القرابة وأجر الصدقة } متفق عليه . ولفظ البخاري أيجزئ عني أن أنفق على زوجي ، وعلى أيتام في حجري )


قوله : ( إنك رجل خفيف ذات اليد ) هذا كناية عن الفقر .

وفي لفظ للبخاري : { إن زينب كانت تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها ، فقالت لعبد الله : سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيجزئ عني أن أنفق عليك وعلى أيتام في حجري من الصدقة } ؟ الحديث . قوله : ( فإذا امرأة من الأنصار ) زاد النسائي والطيالسي " يقال لها زينب " وفي رواية للنسائي : " انطلقت امرأة عبد الله ، يعني ابن مسعود وامرأة أبي مسعود ، يعني عقبة بن عمرو الأنصاري " استدل بهذا الحديث على أنه يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها ، وبه قال الثوري والشافعي وصاحبا أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك . وعن أحمد وإليه ذهب الهادي والناصر والمؤيد بالله

وهذا إنما يتم دليلا بعد تسليم أن هذه الصدقة صدقة واجبة ، وبذلك جزم المازري . ويؤيد ذلك قولها : " أيجزئ عني " وتعقبه عياض بأن قوله : " ولو من حليكن " وكون صدقتها كانت من صناعتها يدلان على التطوع ، وبه جزم النووي وتأولوا قولها : " أيجزئ عني " أي في الوقاية من النار كأنها خافت أن صدقتها على زوجها لا يحصل لها المقصود ، وما أشار إليه من الصناعة احتج به الطحاوي لقول أبي حنيفة : إنها لا تجزيء زكاة المرأة في زوجها

فأخرج من طريق رائطة امرأة ابن مسعود أنها كانت امرأة صنعاء اليدين ، فكانت تنفق عليه وعلى ولده ، فهذا يدل على أنها صدقة تطوع . واحتجوا أيضا على أنها صدقة تطوع بما في البخاري من حديث أبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : { زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم } قالوا : لأن الولد لا يعطى من الزكاة الواجبة بالإجماع كما نقله ابن المنذر والمهدي في البحر وغيرهما . وتعقب هذا بأن الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة من تلزم المعطي نفقته ، والأم لا يلزمها نفقة ابنها مع وجود أبيه . قال المصنف رحمه الله تعالى بعد أن ساق الحديث : وهذا عند أكثر أهل العلم في صدقة التطوع انتهى .

والظاهر أنه يجوز للزوجة صرف زكاتها إلى زوجها ، وأما أولا فلعدم المانع من ذلك ، ومن قال إنه لا يجوز فعليه الدليل . وأما ثانيا فلأن ترك استفصاله صلى الله عليه وسلم لها ينزل منزلة العموم ، فلما لم يستفصلها عن الصدقة هل هي تطوع أو واجب ؟ فكأنه قال : يجزئ عنك فرضا كان أو تطوعا . وقد اختلف في الزوج هل يجوز له أن يدفع زكاته إلى زوجته ؟ فقال ابن المنذر : أجمعوا على أن . الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة شيئا لأن نفقتها واجبة عليه ، ويمكن أن يقال إن التعليل بالوجوب على [ ص: 211 ] الزوج لا يوجب امتناع الصرف إليها ; لأن نفقتها واجبة عليه غنية كانت أو فقيرة فالصرف إليها لا يسقط عنه شيئا . وأما الصدقة على الأصول والفصول وبقية القرابة فسيأتي الكلام عليها .

1617 - ( وعن سلمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الصدقة على المسكين صدقة ، وهي على ذي الرحم ثنتان : صدقة وصلة } رواه أحمد وابن ماجه والترمذي ) .

1618 - ( وعن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح } رواه أحمد ، وله مثله من حديث حكيم بن حزام ) .

1619 - ( وعن ابن عباس قال : إذا كان ذووا قرابة لا تعولهم فأعطهم من زكاة مالك ، وإن كنت تعولهم فلا تعطهم ولا تجعلها لمن تعول . رواه الأثرم في سننه ) . حديث سلمان أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والدارقطني والحاكم وحسنه الترمذي . قال الحافظ : وفي الباب عن أبي طلحة وأبي أمامة عند الطبراني . قوله : ( الكاشح ) هو المضمر للعداوة . وقد استدل بالحديثين على جواز صرف الزكاة إلى الأقارب سواء كانوا ممن تلزم لهم النفقة أم لا لأن الصدقة المذكورة فيهما لم تقيد بصدقة التطوع ; ولكنه قد تقدم عن ابن المنذر وصاحب البحر أنهما حكيا الإجماع على عدم جواز صرف الزكاة إلى الأولاد ، وكذا سائر الأصول والفصول كما في البحر فإنه قال : ( مسألة ) ولا تجزئ في أصوله وفصوله مطلقا إجماعا . وقال صاحب ضوء النهار : إن دعوى الإجماع وهم ، قال : وكيف ومحمد بن الحسن ورواية عن العباس أنها تجزئ في الآباء والأمهات ثم قال : قلت : والمسألة في البحر لم تنسب إلى قائل فضلا عن الإجماع ، وهذا وهم منه - رحمه الله تعالى -

فإن صاحب البحر صرح بنسبتها إلى الإجماع كما حكيناه سالفا فقد نسبت إلى قائل وهم أهل الإجماع إلا أنه يدل لما روي عن أبي العباس ومحمد بن الحسن ما في البخاري وأحمد عن معن بن يزيد قال : { أخرج أبي دنانير يتصدق بها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها ، فقال : والله ما إياك أردت فجئت فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن } . وسيأتي هذا الحديث في كتاب الوكالة - إن شاء الله تعالى - ولكنه يحتمل أن تكون الصدقة صدقة تطوع بل هو الظاهر . وقد روي عن مالك أنه يجوز الصرف في بني البنين وفيما فوق الجد والجدة ، وأما غير الأصول [ ص: 212 ] والفصول من القرابة الذين تلزم نفقتهم فذهب الهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله ومالك والشافعي إلى أنه لا يجزئ الصرف إليهم . وقال أبو حنيفة وأصحابه والإمام يحيى : يجوز ويجزئ إذ لم يفصل الدليل لعموم الأدلة المذكورة في الباب . وقال الأولون : إنها مخصصة بالقياس ولا أصل له وأما الأثر المروي عن ابن عباس فكلام صحابي ولا حجة فيه لأن للاجتهاد في ذلك مسرحا

ويؤيد الجواز والإجزاء الحديث الذي تقدم عند البخاري بلفظ : { زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم } وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما سلف ثم الأصل عدم المانع ، فمن زعم أن القرابة أو وجوب النفقة مانعان فعليه الدليل ولا دليل .

التالي السابق


الخدمات العلمية