صفحة جزء
باب أخذ الشارب وإعفاء اللحية

134 - ( عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من لم يأخذ من شاربه فليس منا } . رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال حديث : صحيح ) .

135 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ، خالفوا المجوس } رواه أحمد ومسلم ) .

136 - ( وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : { خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب } . متفق عليه زاد البخاري وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه ) .


الكلام على ألفاظ هذه الأحاديث قد تقدم في باب سنن الفطرة . وقد اختلف الناس في حد ما يقص من الشارب ، وقد ذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه لظاهر قوله : ( أحفوا وانهكوا ) وهو قول الكوفيين ، وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال ، وإليه ذهب مالك وكان يرى تأديب من حلقه . وروى عنه ابن القاسم أنه قال : إحفاء الشارب مثلة . قال النووي : المختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفيه من أصله ، قال : وأما رواية : ( أحفوا الشوارب ) فمعناه أحفوا ما طال عن الشفتين ، وكذلك قال مالك في الموطإ يؤخذ من الشارب حتى يبدو أطراف الشفة ، قال ابن القيم : وأما أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد . فكان مذهبهم في شعر الرأس والشوارب أن الإحفاء أفضل من التقصير .

وذكر بعض المالكية عن الشافعي أن مذهبه كمذهب أبي حنيفة في حلق الشارب ، قال الطحاوي : ولم أجد عن الشافعي شيئا [ ص: 149 ] منصوصا في هذا ، وأصحابه الذين رأيناهم المزني والربيع كانا يحفيان شواربهما .

ويدل ذلك أنهما أخذاه عن الشافعي ، وروى الأثرم عن الإمام أحمد أنه كان يحفي شاربه إحفاء شديدا وسمعته يسأل عن السنة في إحفاء الشارب فقال : يحفي . وقال حنبل : قيل لأبي عبد الله ترى للرجل يأخذ شاربه ويحفيه أم كيف يأخذه ؟ قال : إن أحفاه فلا بأس وإن أخذه قصا فلا بأس . وقال أبو محمد في المغني : هو مخير بين أن يحفيه وبين أن يقصه . وقد روى النووي في شرح مسلم عن بعض العلماء أنه ذهب إلى التخيير بين الأمرين الإحفاء وعدمه .

وروى الطحاوي الإحفاء عن جماعة من الصحابة أبي سعيد وأبي أسيد ورافع بن خديج وسهل بن سعد وعبد الله بن عمر وجابر وأبي هريرة . قال ابن القيم : واحتج من لم ير إحفاء الشارب بحديث عائشة وأبي هريرة المرفوعين : ( عشر من الفطرة ) فذكر منها قص الشارب . وفي حديث أبي هريرة : ( إن الفطرة خمس ) وذكر منها قص الشارب ، واحتج المحفون بأحاديث الأمر بالإحفاء وهي صحيحة . وبحديث ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحفي شاربه } انتهى .

والإحفاء ليس كما ذكره النووي من أن معناه أحفوا ما طال عن الشفتين بل الإحفاء : الاستئصال كما في الصحاح والقاموس والكشاف وسائر كتب اللغة . ورواية القص لا تنافيه لأن القص قد يكون على جهة الإحفاء وقد لا يكون ، ورواية الإحفاء معينة للمراد ، وكذلك حديث الباب الذي فيه { من لم يأخذ من شاربه فليس منا } لا يعارض رواية الإحفاء لأن فيها زيادة يتعين المصير إليها ، ولو فرض التعارض من كل وجه لكانت رواية الإحفاء أرجح لأنها في الصحيحين .

وروى الطحاوي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من شارب المغيرة على سواكه } قال : وهذا لا يكون معه إحفاء ويجاب عنه بأنه محتمل ، ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء ممنوعة ، وهو وإن صح كما ذكر لا يعارض تلك الأقوال منه صلى الله عليه وسلم .

قوله : ( وأرخوا اللحى ) قال النووي : هو بقطع الهمزة والخاء المعجمة ومعناه اتركوا ولا تتعرضوا لها بتغيير ، قال القاضي عياض : وقع في رواية الأكثرين بالخاء المعجمة ووقع عند ابن ماهان أرجوا بالجيم ، قيل : وهو بمعنى الأول وأصله أرجئوا بالهمزة فحذفت تخفيفا ومعناه أخروها واتركوها . قوله : ( وفروا اللحى ) وهي إحدى الروايات وقد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات أعفوا وأوفوا وأرخوا وأرجوا ووفروا ، ومعناها كلها تركها على حالها .

قال ابن السكيت وغيره : يقال في جمع اللحية لحى ولحى بكسر اللام وضمها لغتان والكسر أفصح . قوله : ( خالفوا المجوس ) قد سبق أنه كان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك . قوله : ( فما فضل ) بفتح الفاء والضاد المعجمة ويجوز كسر الضاد كعلم ، والأشهر الفتح . وقد استدل بذلك بعض أهل العلم والروايات المرفوعة ترده ، ولكنه قد أخرج [ ص: 150 ] الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها } وقال : غريب ، قال : سمعت محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - يقول : عمر بن هارون - يعني المذكور في إسناده - مقارب الحديث ولا أعرف له حديثا ليس له أصل أو قال : ينفرد به إلا هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديثه انتهى . وقال في التقريب : إنه متروك وكان حافظا من كبار التابعة فعلى هذا أنها لا تقوم بالحديث حجة .

( فائدة ) قال النووي : وقد ذكر العلماء في اللحية عشر خصال مكروهة بعضها أشد من بعض . الخضاب بالسواد لا لغرض الجهاد . والخضاب بالصفرة تشبها بالصالحين لا لاتباع السنة . وتبييضها بالكبريت أو غيره استعجالا للشيخوخة لأجل الرياسة والتعظيم وإيهام لقى المشايخ . ونتفها أول طلوعها إيثارا للمروءة وحسن الصورة . ونتف الشيب . وتصفيفها طاقة فوق طاقة تصنعا لتستحسنه النساء وغيرهن . والزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذارين من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس ونتف جانبي العنفقة وغير ذلك . وتسريحها تصنعا لأجل الناس . وتركها شعثة منتفشة إظهارا للزهادة وقلة المبالاة بنفسه .

هذه عشر والحادية عشر : عقدها وضفرها . والثانية عشر : حلقها إلا إذا نبت للمرأة لحية فيستحب لها حلقها .

التالي السابق


الخدمات العلمية