صفحة جزء
[ ص: 235 ] باب الصبي إذا أطاق وحكم من وجب عليه الصوم في أثناء الشهر أو اليوم

1639 - ( عن الربيع بنت معوذ قالت : { أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة : من كان أصبح صائما فليتم صومه ، ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه . فكنا بعد ذلك نصومه ونصومه صبياننا الصغار منهم ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناها إياه حتى يكون عند الإفطار } . أخرجاه . قال البخاري : وقال عمر لنشوان في رمضان : ويلك وصبياننا صيام وضربه )


. قوله : ( الربيع ) بتشديد الياء مصغرا ، ومعوذ بكسر الواو المشددة : وهو ابن عون ، ويعرف بابن عفراء قوله : ( اللعبة ) بضم اللام المشددة بعدها عين مهملة ساكنة ثم باء موحدة ثم تاء تأنيث : وهي الشيء الذي يلعب به الصبيان قوله : ( من العهن ) أي الصوف ، قيل : هو المصبوغ منه قوله : ( أعطيناه إياه حتى يكون عند الإفطار ) وقع في مسلم " أعطيناه إياه عند الإفطار " وهو مشكل . ورواية البخاري توضح أنه سقط منه شيء . وقد رواه مسلم أيضا من وجه آخر فقال فيه : " فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم " قوله : ( لنشوان ) هو بفتح النون وسكون المعجمة كسكران وزنا ومعنى ، وجمعه نشاوى كسكارى . قال ابن خالويه : سكر الرجل فانتشى وثمل بمعنى . وقال صاحب المحكم : نشا الرجل وانتشى وتنشى : كله بمعنى سكر . وقال ابن التين : النشوان : السكران سكرا خفيفا . وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور والبغوي في الجعديات بلفظ " إن عمر بن الخطاب أتي برجل شرب الخمر في رمضان ، فلما دنا منه جعل يقول للمنخرين والفم " وفي رواية البغوي : " فلما رفع إليه عثر ، فقال عمر : على وجهك ويحك وصبياننا صيام ، ثم أمر به فضرب ثمانين سوطا ثم سيره إلى الشام " . الحديث استدل به على أن عاشوراء كان فرضا قبل أن يفرض رمضان ، وعلى أنه يستحب أمر الصبيان بالصوم للتمرين عليه إذا أطاقوه وقد قال باستحباب ذلك جماعة من السلف منهم ابن سيرين والزهري والشافعي وغيرهم . واختلف أصحاب الشافعي في تحديد السن التي يؤمر الصبي عندها بالصيام ، فقيل : سبع سنين ، وقيل : عشر ، وبه قال أحمد .

وقيل : اثنتا عشرة سنة ، وبه قال إسحاق . وقال الأوزاعي : إذا أطاق صوم ثلاثة أيام [ ص: 236 ] تباعا لا يضعف فيهن حمل على الصوم ، والمشهور عن المالكية أن الصوم لا يشرع في حق الصبيان . والحديث يرد عليهم لأنه يبعد كل البعد أن لا يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك . وأخرج ابن خزيمة من حديث رزينة بفتح الراء وكسر الزاي { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر برضعائه ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم ويأمر أمهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل } وقد توقف ابن خزيمة في صحته . قال الحافظ : وإسناده لا بأس به وهو يرد على القرطبي قوله : لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بذلك ويبعد أن يكون أمر بذلك لأنه تعذيب صغير بعبادة شاقة غير متكررة في السنة انتهى .

مع أن الصحيح عند أهل الأصول والحديث أن الصحابي إذا قال : فعلنا كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حكمه الرفع لأن الظاهر اطلاعه عليه مع توفر دواعيهم إلى سؤالهم إياه عن الأحكام مع أن هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه ; لأنه إيلام لغير مكلف إلا بدليل ومذهب الجمهور أنه لا يجب الصوم على من دون البلوغ ، وذكر الهادي في الأحكام أنه يجب على الصبي الصوم بالإطاقة لصيام ثلاثة أيام . واحتج على ذلك بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام الشهر كله } وهذا الحديث ذكره السيوطي في الجامع الصغير ، وقال : أخرجه المرهبي عن ابن عباس ، ولفظه { تجب الصلاة على الغلام إذا عقل ، والصوم إذا أطاق ، والحدود والشهادة إذا احتلم } وقد حمل المرتضى كلام الهادي على لزوم التأديب ، وحمله السادة الهارونيون على أنه يؤمر بذلك تعويدا وتمرينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية