صفحة جزء
باب الرخصة في القبلة للصائم إلا لمن يخاف على نفسه

1656 - ( عن أم سلمة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم } . متفق عليه ) .

1657 - ( وعن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ، ولكنه كان أملككم لإربه } . رواه الجماعة إلا النسائي .

وفي لفظ : { كان يقبل في رمضان وهو صائم } . رواه أحمد ومسلم ) .

[ ص: 250 ] وعن عمر بن أبي سلمة : أنه { سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيقبل الصائم ؟ فقال له : سل هذه لأم سلمة ، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، فقال : يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فقال له : أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له } رواه مسلم ، وفيه أن أفعاله حجة ) .

1659 - ( وعن أبي هريرة : { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم ، فرخص له ، وأتاه آخر فنهاه عنها ، فإذا الذي رخص له شيخ ، وإذا الذي نهاه شاب } . رواه أبو داود ) .


حديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ، وفي إسناده أبو العنبس الحارث بن عبيد سكتوا عنه . وقال في التقريب : مقبول ، وقد أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس ولم يصرح برفعه ، والبيهقي من حديث عائشة مرفوعا . وأخرج نحوه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو . قوله : ( كان يقبلها ) فيه دليل على أنه يجوز التقبيل للصائم ولا يفسد به الصوم . قال النووي : ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا إن أنزل بها ولكنه متعقب بأن ابن شبرمة أفتى بإفطار من قبل . ونقله الطحاوي عن قوم ولم يسمهم ، وقد قال بكراهة التقبيل والمباشرة على الإطلاق قوم وهو المشهور عند المالكية .

وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكره القبلة والمباشرة . ونقل ابن المنذر وغيره عن قوم تحريمهما ، وأباح القبلة مطلقا قوم . قال في الفتح وهو المنقول صحيحا عن أبي هريرة قال سعيد وسعد بن أبي وقاص وطائفة وبالغ بعض الظاهرية فقال : إنها مستحبة . وفرق آخرون بين الشاب والشيخ ، فأباحوها للشيخ دون الشاب تمسكا بحديث أبي هريرة المذكور في الباب وما ورد في معناه ، وبه قال ابن عباس وأخرجه مالك وسعيد بن منصور وغيرهما ، وفرق آخرون بين من يملك نفسه ومن لا يملك .

واستدلوا بحديث عائشة المذكور في الباب وبه قال سفيان والشافعي ، ولكنه ليس إلا قول لعائشة ، نعم نهيه صلى الله عليه وسلم للشاب وإذنه للشيخ يدل على أنه لا يجوز التقبيل لمن خشي أن تغلبه الشهوة وظن أنه لا يملك نفسه عند التقبيل ، ولذلك ذهب قوم إلى تحريم التقبيل على من كان تتحرك به شهوته ، والشاب مظنة لذلك . ويعارض حديث أبي هريرة ما أخرجه النسائي عن عائشة قالت : { أهوى النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني ، فقلت : إني صائمة ، فقال : وأنا صائم فقبلني } وعائشة كانت شابة حينئذ ، إلا أن يكون حديث أبي هريرة مختصا [ ص: 251 ] بالرجال ولكنه بعيد ; لأن الرجال والنساء سواء في هذا الحكم . ويمكن أن يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم علم من حال عائشة أنها لا تتحرك شهوتها بالتقبيل .

وقد أخرج ابن حبان في صحيحه { أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يمس شيئا من وجهها وهي صائمة } فدل على أنه كان يجنبها ذلك إذا صامت تنزيها منه لها عن تحرك الشهوة لكونها ليست بمثله . وقد دل حديث عمرو بن أبي سلمة المذكور على جواز التقبيل للصائم من غير فرق بين الشاب وغيره . وحديث أبي هريرة أخص منه فيبنى العام على الخاص . واحتج من قال بتحريم التقبيل والمباشرة مطلقا بقوله تعالى : { فالآن باشروهن } قالوا : فمنع من المباشرة في هذه الآية نهارا . وأجيب عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله تعالى ، وقد أباح المباشرة نهارا فدل على أن المراد بالمباشرة في الآية : الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها ، وغاية ما في الآية أن تكون عامة في كل مباشرة مخصصة بما وقع منه صلى الله عليه وسلم وما أذن به ، والمراد بالمباشرة المذكورة في الحديث ما هو أعم من التقبيل ما لم يبلغ إلى حد الجماع فيكون قوله : " كان يقبل ويباشر " من ذكر العام بعد الخاص ، لأن المباشرة في الأصل التقاء البشرتين . ووقع الخلاف فيما إذا باشر الصائم أو قبل أو نظر فأنزل أو أمذى ، فقال الكوفيون والشافعي : يقضي إذا أنزل في غير النظر ، ولا قضاء في الإمذاء . وقال مالك وإسحاق : يقضي في كل ذلك ويكفر إلا في الإمذاء فيقضي فقط ، واحتج له بأن الإنزال أقصى ما يطلب في الجماع من الالتذاذ في كل ذلك . وتعقب بأن الأحكام علقت بالجماع فقط .

وروى ابن القاسم عن مالك أنه يجب القضاء على من باشر أو قبل فأنعظ ، أنزل أو لم ينزل ، أمذى أم لم يمذ ، وأنكره غيره عن مالك . وروى عبد الرزاق عن حذيفة أن من تأمل خلق امرأة وهو صائم بطل صومه . قال في الفتح : وإسناده ضعيف . قال : وقال ابن قدامة ، إن قبل فأنزل أفطر بلا خلاف ، كذا قال وفيه نظر ، فقد حكى ابن حزم أنه لا يفطر ولو أنزل وقوى ذلك وذهب إليه . قوله : ( لأربه ) بفتح الهمزة والراء وبالموحدة : أي حاجته ، ويروى بكسر الهمزة وسكون الراء : أي عضوه . قال في الفتح : والأول أشهر ، وإلى ترجيحه أشار البخاري بما أورده من التفسير انتهى .

وفي الباب عن عائشة عند أبي داود { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها ويمص لسانها } قال الحافظ : وإسناده ضعيف ، ولو صح فهو محمول على أنه لم يبتلع ريقه الذي خالطه ريقها . وعن رجل من الأنصار عند عبد الرزاق بإسناد صحيح { أنه قبل امرأته وهو صائم ، فأمر امرأته فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : إني أفعل ذلك ، فقال زوجها : رخص الله لنبيه أشياء ، فرجعت فقال : أنا أعلمكم بحدود الله وأتقاكم } وأخرجه مالك لكنه أرسله .

التالي السابق


الخدمات العلمية