صفحة جزء
[ ص: 252 ] باب من أصبح جنبا وهو صائم

1660 - ( عن عائشة { أن رجلا قال : يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم . فقال : لست مثلنا يا رسول الله ، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر . فقال : والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي } رواه أحمد ومسلم وأبو داود ) .

1661 - ( وعن عائشة وأم سلمة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم في رمضان } . متفق عليه ) .

1662 - ( وعن أم سلمة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع لا حلم ثم لا يفطر ولا يقضي } . أخرجاه ) .


هذه الأحاديث استدل بها من قال : إن من أصبح جنبا فصومه صحيح ولا قضاء عليه من غير فرق أن تكون الجنابة عن جماع أو غيره ، وإليه ذهب الجمهور ، وجزم النووي بأنه استقر الإجماع على ذلك . وقال ابن دقيق العيد : إنه صار ذلك إجماعا أو كالإجماع . وقد ثبت من حديث أبي هريرة ما يخالف أحاديث الباب ، فأخرج الشيخان عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : { من أصبح جنبا فلا صوم له } وقد بقي على العمل بحديث أبي هريرة هذا بعض التابعين كما نقله الترمذي . ورواه عبد الرزاق عن عروة بن الزبير ، وحكاه ابن المنذر عن طاوس . قال ابن بطال : وهو أحد قولي أبي هريرة . قال الحافظ : ولم يصح عنه لأن ابن المنذر رواه عنه من طريق أبي المهزم وهو ضعيف . وحكى ابن المنذر أيضا عن الحسن البصري وسالم بن عبد الله بن عمر أنه يتم صومه ثم يقضيه . وروى عبد الرزاق عن عطاء مثل قولهما . قال في الفتح : ونقل بعض المتأخرين عن الحسن بن صالح بن حي إيجاب القضاء ، والذي نقله عنه الطحاوي استحبابه . ونقل ابن عبد البر عنه . وعن النخعي إيجاب القضاء في الفرض دون التطوع .

ونقل الماوردي أن هذا الاختلاف كله إنما هو في حق الجنب ، وأما المحتلم فأجمعوا على أنه يجزئه . وتعقبه الحافظ بما أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن أبي هريرة أنه أفتى من أصبح جنبا من احتلام أن يفطر .

وفي رواية أخرى عنه عند النسائي أيضا { من احتلم من الليل أو واقع أهله [ ص: 253 ] ثم أدركه الفجر ولم يغتسل فلا يصم } وأجاب القائلون بأن من أصبح جنبا يفطر عن أحاديث الباب بأجوبة منها أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم . ورد الجمهور بأن الخصائص لا تثبت إلا بدليل ، وبأن حديث عائشة المذكور في أول الباب يقتضي عدم اختصاصه صلى الله عليه وسلم بذلك . وجمع بعضهم بين الحديثين بأن الأمر في حديث أبي هريرة أمر إرشاد إلى الأفضل ، فإن الأفضل أن يغتسل قبل الفجر ، فلو خالف جاز ، ويحمل حديث عائشة على بيان الجواز . وقد نقل النووي هذا الجمع عن أصحاب الشافعي .

وتعقبه الحافظ بأن الذي نقله البيهقي وغيره عن أصحاب الشافعي هو سلوك طريق الترجيح . وعن ابن المنذر وغيره سلوك النسخ وبالنسخ قال الخطابي . وقواه ابن دقيق العيد بأن قوله تعالى: { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } ، يقتضي إباحة الوطء في ليلة الصوم ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر فيلزم إباحة الجماع فيه ، ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنبا ولا يفسد صومه . ويقوي ذلك أن قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم : " قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر " يدل على أن ذلك بعد نزول الآية وهي إنما نزلت عام الحديبية سنة ست ، وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية ، ويؤيد دعوى النسخ رجوع أبي هريرة عن الفتوى بذلك كما في رواية للبخاري " أنه لما أخبر بما قالت أم سلمة وعائشة فقال : هما أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم " وفي رواية ابن جريج فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك ، وكذا وقع عند النسائي أنه رجع ، وكذا عند ابن أبي شيبة .

وفي رواية للنسائي أن أبا هريرة أحال بذلك على الفضل بن عباس ووقع نحو ذلك في البخاري وقال : إنه حدثه بذلك الفضل .

وفي رواية أنه قال : حدثني بذلك أسامة .

وأما ما أخرجه ابن عبد البر عن أبي هريرة أنه قال : " كنت حدثتكم من أصبح جنبا فقد أفطر ، وأن ذلك من كيس أبي هريرة " فقال الحافظ : لا يصح ذلك عن أبي هريرة لأنه من رواية عمر بن قيس وهو متروك . ومن حجج من سلك طريق الترجيح ما قاله ابن عبد البر : إنه صح وتواتر حديث عائشة وأم سلمة . وأما حديث أبي هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتي بذلك ، وأيضا رواية اثنين مقدمة على رواية واحدة ، ولا سيما وهما زوجتان للنبي صلى الله عليه وسلم ، والزوجات أعلم بأحوال الأزواج ، وأيضا روايتهما موافقة للمنقول ، وهو ما تقدم من مدلول الآية وللمعقول ، وهو أن الغسل شيء وجب بالإنزال وليس في فعله شيء يحرم على الصائم ، فإن الصائم قد يحتلم بالنهار فيجب عليه الغسل ولا يفسد صومه بل يتمه إجماعا قوله : ( ولا يقضي ) عزاه المصنف إلى البخاري ومسلم ولم نجده في البخاري ، بل هو مما انفرد به مسلم فينظر ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية