صفحة جزء
باب كراهية الوصال

1664 - ( عن ابن عمر : { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال ، فقالوا : إنك تفعله ، فقال : إني لست كأحدكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني } ) .

1665 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إياكم والوصال ، فقيل إنك تواصل ، قال : إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ، فاكلفوا من العمل ما تطيقون } ) .

1666 - ( وعن عائشة قالت : { نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم ، فقال إنك تواصل ، فقال : إني لست كهيئتكم إني يطعمني ربي ويسقيني } متفق عليهن ) .

1667 - ( وعن أبي سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر ، قالوا : إنك تواصل يا رسول الله ، قال : لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني } رواه البخاري وأبو داود ) .

وفي الباب عن أنس عند الشيخين .

. وعن بشير ابن الخصاصية عند أحمد . بلفظ { إن [ ص: 258 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال وقال : إنما يفعل ذلك النصارى } وأخرجه أيضا الطبراني وسعيد بن منصور وعبد بن حميد . قال في الفتح : إسناده صحيح . وعن أبي ذر عند الطبراني في الأوسط . وعن رجل من الصحابة عند أبي داود وغيره ، قال في الفتح : وإسناده صحيح بلفظ : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما } وقد تقدم


. قوله : ( يطعمني ربي ويسقيني ) قال في الفتح : اختلف في معناه هو على حقيقته وأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامة له في ليالي صيامه . وتعقبه ابن بطال ومن تبعه بأنه لو كان كذلك لم يكن مواصلا ، وبأن قوله : " أظل " يدل على وقوع ذلك في النهار . وأجيب بأن الراجح من الروايات بلفظ " أبيت " دون " أظل " ، وعلى تقدير الثبوت فليس حمل الطعام والشراب على المجاز بأولى من حمل لفظ ظل على المجاز وعلى التنزل فلا يضر شيء من ذلك ، لأن ما يؤتى به الرسول على سبيل الكرامة من طعام الجنة وشرابها لا يجري عليه أحكام المكلفين . وقال الزين بن المنير : هو محمول على أن أكله وشربه في تلك الحال كحالة النائم الذي يحصل له الشبع والري بالأكل والشرب ، ويستمر له ذلك حتى يستيقظ فلا يبطل بذلك صومه ولا ينقطع وصاله ولا ينقص من أجره .

وقال الجمهور : هو مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة ، فكأنه قال : يعطيني قوة الآكل والشارب ، وهذا هو الظاهر . قوله : ( إياكم والوصال ) وقع في رواية لأحمد مرتين ، وفي رواية لمالك ثلاث مرات وإسنادها صحيح . قوله : ( فاكلفوا ) بسكون الكاف وبضم اللام : أي احملوا من المشقة في ذلك ما تطيقون . وحكى عياض عن بعضهم أنه قال : هو بهمزة قطع ولا يصح لغة . قوله : ( رحمة لهم ) استدل به من قال : إن الوصال مكروه غير محرم وذهب الأكثر إلى تحريم الوصال . وعن الشافعية وجهان : التحريم ، والكراهة ، وأحاديث الباب تدل على ما ذهب إليه الجمهور ، وأجابوا بأن قوله : " رحمة " لا يمنع التحريم ، فإن من رحمته لهم أن حرمه عليهم . ومن أدلة القائلين بعدم التحريم ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم { أنه واصل بأصحابه لما أبوا أن ينتهوا عن الوصال فواصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال : لو تأخر لزدتكم كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا } هكذا في البخاري وغيره .

وأجاب الجمهور عن ذلك بأن مواصلته صلى الله عليه وسلم بهم بعد نهيه لهم فلم يكن تقريرا بل تقريعا وتنكيلا . واحتمل ذلك منهم لأجل مصلحة النهي في تأكيد زجرهم ; لأنهم إذا باشروا ظهرت لهم حكمة النهي ، وكان ذلك أدعى إلى قبولهم لما يترتب عليه من الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم منه وأرجح من وظائف الصلاة والقراءة وغير ذلك . ومن الأدلة على أن الوصال غير محرم حديث الرجل من الصحابة الذي قدمنا ذكره ، فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم الوصال . ومنها ما رواه البزار والطبراني [ ص: 259 ] من حديث سمرة قال : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال وليس بالعزيمة } ومنها إقدام الصحابة على الوصال بعد النهي فإن ذلك يدل على أنهم فهموا أن النهي للتنزيه لا للتحريم كما قال الحافظ . وقد ذهب إلى جوازه مع عدم المشقة عبد الله بن الزبير . وروى ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح أنه كان يواصل خمسة عشر يوما ، وذهب إليه من الصحابة أخت أبي سعيد ، ومن التابعين عبد الرحمن بن أبي نعيم وعامر بن عبد الله بن الزبير وإبراهيم بن يزيد التيمي وأبو الجوزاء كما في الفتح وهو ظاهر ، فلا أقل من أن تكون هذه الأدلة التي ذكروها صارفة للنهي عن الوصال عن حقيقته ، وذهبت الهادوية إلى كراهة الوصال مع عدم النية وحرمته مع النية .

وذهب أحمد وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة وجماعة من المالكية إلى جواز الوصال إلى السحر لحديث أبي سعيد المذكور في الباب . ومثله ما أخرجه الطبراني من حديث جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل من سحر إلى سحر } وأخرجه أحمد وعبد الرزاق من حديث علي ، فإن كان اسم الوصال إنما يصدق على إمساك جميع الليل فلا معارضة بين الأحاديث ، وإن كان يصدق على أعم من ذلك فيبنى العام على الخاص ويكون المحرم ما زاد على الإمساك إلى ذلك الوقت .

التالي السابق


الخدمات العلمية