صفحة جزء
باب آداب الإفطار والسحور

1668 - ( عن ابن عمر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطر الصائم } ) .

1669 - ( وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر } متفق عليهما ) .

1670 - ( وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يقول الله عز وجل : إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا } رواه أحمد والترمذي ) .


حديث أبي هريرة قال الترمذي : حديث حسن غريب .

وفي الباب عن عائشة عند الترمذي وصححه إنها { سئلت عن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة ، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة ، فقالت : أيهما يعجل الإفطار [ ص: 260 ] ويعجل الصلاة ؟ فقيل لها : عبد الله بن مسعود ، قالت : هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم } والآخر أبو موسى .

وعن أبي هريرة حديث آخر عند أبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر ; لأن اليهود والنصارى يؤخرون } .

وعن سهل بن سعد حديث آخر عند ابن حبان والحاكم بلفظ : { لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم } . وعن أبي ذر عند أحمد وسيأتي . وعن ابن عباس وأنس أشار إليهما الترمذي . قال ابن عبد البر : أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة . وأخرج عبد الرزاق وغيره بإسناد قال الحافظ : صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال : { كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا } قوله : ( إذا أقبل الليل ) زاد البخاري في رواية " من هاهنا ، وأشار بأصبعيه قبل المشرق " والمراد وجود الظلمة .

قوله : ( وأدبر النهار ) زاد البخاري في رواية : " من هاهنا " يعني من جهة المغرب . قوله : ( وغابت الشمس ) في رواية للبخاري " وغربت الشمس " ذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور وهي وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في الظاهر غير متلازمة ، فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون قباله حقيقة بل لوجود أمر يغطي ضوء الشمس وكذلك إدبار النهار ، فمن ثم قيد بغروب الشمس قوله : ( فقد أفطر الصائم ) أي دخل في وقت الفطر كما يقال أنجد : إذا أقام بنجد ، وأتهم : إذا أقام بتهامة .

ويحتمل أن يكون معناه فقد صار مفطرا في الحكم لكون الليل ليس ظرفا للصيام الشرعي . وقال ابن خزيمة : هو لفظ خبر ومعناه الأمر : أي فليفطر ، ويرجح الأول ما وقع في رواية عند البخاري : " فقد حل الإفطار " . قوله : ( ما عجلوا الفطر ) زاد أبو ذر في حديثه " وأخروا السحور " أخرجه أحمد وسيأتي . وما ظرفية : أي مدة فعلهم ذلك امتثالا للسنة ووقوفا عند حدها . قال المهلب : والحكمة في ذلك أن لا يزاد في النهار من الليل ولأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة ا هـ . وأيضا في تأخيره تشبه باليهود فإنهم يفطرون عند ظهور النجوم ، وقد كان الشارع يأمر بمخالفتهم في أفعالهم وأقوالهم ، واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار عدلين أو عدل ، وقد صرح الحديث القدسي بأن معجل الإفطار أحب عباد الله إليه ، فلا يرغب عن الاتصاف بهذه الصفة إلا من كان حظه من الدين قليلا كما تفعله الرافضة ، ولا يجب تعجيل الإفطار لما تقدم في الباب الأول من إذن النبي صلى الله عليه وسلم بالمواصلة إلى السحر كما في حديث أبي سعيد .

[ ص: 261 ] 1671 - ( وعن أنس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم تكن رطبا فتمرات ، فإن لم تكن تمرا حسا حسوات من ماء } . رواه أحمد وأبو داود والترمذي ) .

1672 - ( وعن سلمان بن عامر الضبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر ، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور } رواه الخمسة إلا النسائي ) .

1673 - ( وعن معاذ بن زهرة أنه بلغه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال : اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت } رواه أبو داود ) .

حديث أنس حسنه الترمذي . وقال أبو بكر البزار : لا يعلم رواة عن ثابت عن أنس إلا جعفر بن سليمان ، وقال أيضا : رواه النشيطي فأنكروا عليه وضعف حديثه . وقال ابن عدي : تفرد به جعفر عن ثابت . والحديث مشهور بعبد الرزاق ، تابعه عمار بن هارون وسعيد بن سليمان النشيطي . قال الحافظ : وأخرج أبو يعلى عن إبراهيم بن الحجاج عن عبد الواحد بن ثابت عن أنس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تصبه النار } وعبد الواحد قال البخاري : منكر الحديث .

وروى الطبراني في الأوسط من طريق يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان صائما لم يصل حتى يأتيه برطب وماء فيأكل ويشرب ، وإذا لم يكن رطب لم يصل حتى يأتيه بتمر وماء } وقال : تفرد به مسكين بن عبد الرحمن عن يحيى بن أيوب وعنه زكريا بن عمر .

وأخرج أيضا الترمذي والحاكم وصححه عن أنس مرفوعا : { من وجد التمر فليفطر عليه ، ومن لم يجد التمر فليفطر على الماء فإنه طهور } وحديث سليمان بن عامر أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه ، وصححه أبو حاتم الرازي . وروى ابن عدي عن عمران بن حصين بمعناه ، وإسناده ضعيف . وحديث معاذ مرسل لأنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه الطبراني في الكبير والدارقطني من حديث ابن عباس بسند ضعيف . ورواه أبو داود والنسائي والدارقطني والحاكم وغيرهم من حديث ابن عمر ، وزاد : { ذهب [ ص: 262 ] الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله } قال الدارقطني : إسناده حسن . وعند الطبراني عن أنس قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال : بسم الله اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت } وإسناده ضعيف لأنه فيه داود بن الزبرقان وهو متروك . ولابن ماجه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا : { إن للصائم دعوة لا ترد } وكان ابن عمر إذا أفطر يقول : اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي ذنوبي . وحديثا أنس وسليمان يدلان على مشروعية الإفطار بالتمر ، فإن عدم فبالماء ولكن حديث أنس فيه دليل على أن الرطب من التمر أولى من اليابس فيقدم عليه إن وجد ، وإنما شرع الإفطار بالتمر لأنه حلو ، وكل حلو يقوي البصر الذي يضعف بالصوم ، وهذا أحسن ما قيل في المناسبة وبيان وجه الحكمة . وقيل : لأن الحلو لا يوافق الإيمان ويرق القلب ، وإذا كانت العلة كونه حلوا ، والحلو له ذلك التأثير فيلحق به الحلويات كلها ، أما ما كان أشد منه حلاوة فبفحوى الخطاب ، وما كان مساويا له فبلحنه . وحديث معاذ بن زهرة فيه دليل على أنه يشرع للصائم أن يدعو عند إفطاره بما اشتمل عليه من الدعاء ، وكذلك سائر ما ذكرناه في الباب قوله : ( حسا حسوات ) أي شرب شربات ، والحسوة : المرة الواحدة

1674 - ( وعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول { لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر } رواه أحمد ) .

1675 - ( وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { تسحروا فإن في السحور بركة } رواه الجماعة إلا أبا داود ) .

1676 - ( وعن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر } رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه ) .

حديث أبي ذر في إسناده سليمان بن أبي عثمان ، قال أبو حاتم : مجهول .

وفي الباب عن أبي ليلى الأنصاري عند النسائي وأبي عوانة في صحيحه بنحو حديث أنس .

وعن ابن مسعود عند النسائي والبزار بنحوه أيضا . وعن أبي هريرة عند النسائي بنحوه أيضا . وعن [ ص: 263 ] قرة بن إياس المزني عند البزار نحوه أيضا . وعن ابن عباس عند ابن ماجه والحاكم بلفظ : { استعينوا بطعام السحر على صيام النهار ، وبقيلولة النهار على قيام الليل } وله شاهد في علل ابن أبي حاتم عنه ، وتشهد له رواية لابن داسة في سنن أبي داود .

وأخرجه ابن حبان بلفظ : { نعم سحور المؤمن من التمر } وعن ابن عمر عند ابن حبان بلفظ : { إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين } وفي رواية له عنه : { تسحروا ولو بجرعة من ماء } وعن زيد بن ثابت عند الشيخين : { إنه كان بين تسحره صلى الله عليه وسلم ودخوله في الصلاة قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية } وعن أنس عند البخاري بنحوه . وعن أبي سعيد عند أحمد بلفظ : { السحور بركة فلا تدعوه ، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين } ولسعيد بن منصور من طريق أخرى { تسحروا ولو بلقمة } قوله : ( ما أخروا السحور ) أي مدة تأخيرهم .

وفيه دليل على مشروعية تأخير السحور . وقد تقدم قول ابن عبد البر أن أحاديث تأخير السحور صحاح متواترة قوله : ( فإن في السحور بركة ) بفتح السين وضمها . قال في الفتح : لأن المراد بالبركة الأجر والثواب فيناسب الضم لأنه مصدر ، أو البركة كونه يقوى على الصوم وينشط له ويخفف المشقة فيه فيناسب الفتح لأنه اسم لما يتسحر به .

وفيه دليل على مشروعية التسحر ، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ندبية السحور انتهى . وليس بواجب لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه أنهم واصلوا ، ومن مقويات مشروعية السحور ما فيه من المخالفة لأهل الكتاب فإنهم لا يتسحرون كما صرح بذلك حديث عمرو بن العاص ، وأقل ما يحصل به التسحر ما يتناوله المؤمن من مأكول أو مشروب ولو جرعة من ماء كما تقدم في الأحاديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية