صفحة جزء
باب ما جاء في المريض والشيخ والشيخة والحامل والمرضع

1692 - ( عن أنس بن مالك الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله عز وجل وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ، وعن الحبلى والمرضع الصوم } رواه الخمسة .

وفي لفظ بعضهم " وعن الحامل والمرضع " )


الحديث حسنه الترمذي وقال : ولا يعرف لابن مالك هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد انتهى . وقال ابن أبي حاتم في علله : سألت أبي عنه ، يعني الحديث فقال : اختلف فيه ، والصحيح عن أنس بن مالك القشيري انتهى .

قال المنذري : ومن يسمى بأنس بن مالك من رواة الحديث خمسة : صحابيان هذا وأبو حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنس بن مالك والد الإمام مالك بن أنس روي عنه حديث في إسناده نظر ، والرابع شيخ حمصي حدث ، والخامس كوفي حدث عن حماد بن أبي سليمان والأعمش وغيرهما انتهى . وينبغي أن يكون أنس بن مالك القشيري الذي ذكره [ ص: 273 ] ابن أبي حاتم سادسا إن لم يكن هو الكعبي . الحديث يدل على أن المسافر لا صوم عليه ، وقد تقدم البحث عن ذلك وأنه يصلي قصرا وقد تقدم تحقيقه ، وأنه يجوز للحبلى والمرضع الإفطار ، وقد ذهب إلى ذلك العترة والفقهاء إذا خافت المرضعة على الرضيع ، والحامل على الجنين وقالوا : إنها تفطر حتما . قال أبو طالب : ولا خلاف في الجواز . وقال الترمذي : العمل على هذا عند أهل العلم . وقال بعض أهل العلم : الحامل والمرضع يفطران ويقضيان ويطعمان ، وبه يقول سفيان ومالك والشافعي وأحمد . وقال بعضهم : يفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما ، وإن شاءتا قضتا ولا طعام عليهما ، وبه يقول إسحاق ا هـ . وقد قال بعدم وجوب الكفارة مع القضاء الأوزاعي والزهري والشافعي في أحد أقواله . وقال مالك والشافعي في أحد أقواله : إنها تلزم المرضع لا الحامل إذ هي كالمريض .

1693 - ( وعن سلمة بن الأكوع قال : لما نزلت هذه الآية { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى أنزلت الآية التي بعدها فنسختها . رواه الجماعة إلا أحمد ) .

1694 - ( وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل بنحو حديث سلمة وفيه : ثم أنزل الله { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ، ورخص فيه للمريض والمسافر ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام . مختصر لأحمد وأبي داود ) .

1695 - ( وعن عطاء سمع ابن عباس يقرأ { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال ابن عباس : ليست بمنسوخة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا . رواه البخاري ) .

1696 - ( وعن عكرمة أن ابن عباس قال : أثبتت للحبلى والمرضع . رواه أبو داود ) .

حديث معاذ قد اختلف في إسناده اختلافا كثيرا قوله : ( الآية التي بعدها ) هي الآية [ ص: 274 ] المذكورة في حديث معاذ الذي بعده قوله : ( فنسختها ) قد روي عن ابن عمر كما روي عن سلمة من النسخ ذكر البخاري عنه معلقا وموصولا .

وقد أخرج أبو نعيم في المستخرج والبيهقي { أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ولا عهد لهم بالصيام ، فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل رمضان فاستكثروا ذلك وشق عليهم ، فكان من يطعم مسكينا كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه رخص لهم في ذلك ، ثم نسخه قوله تعالى: { وأن تصوموا خير لكم } ، فأمروا بالصيام } . وهذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق شعبة والمسعودي عن الأعمش مطولا ، وقد اختلف في إسناده اختلافا كثيرا ، وإذا تقرر أن الإفطار والإطعام كان رخصة ثم نسخ لزم أن يصير الصيام حتما واجبا فكيف يصح الاستدلال على ذلك بقوله : { وأن تصوموا خير لكم } والخيرية لا تدل على الوجوب لدلالة قوله : خير لكم على المشاركة في أصل الخير . وأجاب عن ذلك الكرماني جوابا متكلفا حاصله أن المراد أن الصوم خير من التطوع بالفدية والتطوع بها كان سنة والخير من السنة لا يكون واجبا : أي لا يكون شيء خيرا من السنة إلا الواجب ، كذا قال ، ولا يخفى بعده وتكلفه ، فالأولى ما روي عن سلمة بن الأكوع وابن عمر أن الناسخ قوله تعالى: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وإلى النسخ في حق غير الكبير ممن يطيق الصيام ذهب الجمهور ، قالوا : وحكم الإطعام باق في حق من لم يطق الصيام .

وقال جماعة من السلف منهم مالك وأبو ثور وداود أن جميع الإطعام منسوخ ، وليس على الكبير إذا لم يطق طعام . وقال قتادة : كانت الرخصة لكبير يقدر على الصوم ثم نسخ فيه وبقي فيمن لا يطيق . وقال ابن عباس : إنها محكمة لكنها مخصوصة بالشيخ الكبير كما وقع في الباب عنه . وقال زيد بن أسلم والزهري ومالك : هي محكمة نزلت في المريض يفطر ثم يبرأ فلا يقضي حتى يدخل رمضان آخر فليلزمه صومه ثم يقضي بعده ويطعم عن كل يوم مدا من حنطة ، فإن اتصل مرضه برمضان ثان فليس عليه إطعام ، بل عليه القضاء فقط . وقال الحسن البصري وغيره : الضمير في " يطيقونه " عائد على الإطعام لا على الصوم ثم نسخ بعد ذلك قوله : ( سمع ابن عباس يقرأ { وعلى الذين يطيقونه } ) هكذا في هذا الكتاب ، وهو لا يناسب قوله آخر الكلام : هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما إلا أن يكون مراد ابن عباس أن ذلك من مجاز الحذف كما روي عن بعض العلماء ، والأصل وعلى الذين لا يطيقونه ، وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ وعلى الذين يطوقونه : أي يكلفونه ولا يطيقونه وهو المناسب لآخر الكلام ، وقد روي عن ابن عباس أنه قال : رخص للشيخ الكبير أن . يفطر ويطعم كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه رواه الدارقطني والحاكم وصححاه ، [ ص: 275 ] وفيه مع ما في الباب عنه وعن معاذ دليل على أنه يجوز للشيخ الكبير العاجز عن الصوم أن يفطر ويكفر

وقد اختلف في قدر طعام المسكين ، فقيل : نصف صاع عن كل يوم من أي قوت ، وبه قال أبو طالب وأبو العباس وغيرهما من الهادوية ، وقيل : صاع من غير البر ونصف صاع منه ، وبه قال أبو حنيفة والمؤيد بالله . وقيل : مد من بر أو نصف صاع من غيره ، وبه قال الشافعي وغيره ، وليس في المرفوع ما يدل على التقدير . قوله : ( أثبتت للحبلى والمرضع ) لفظ أبي داود أن ابن عباس قال في قوله تعالى { وعلى الذين يطيقونه } قال : كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا ، والحبلى والمرضع إذا خافتا يعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا ، وأخرجه البزار كذلك ، وزاد في آخره : وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى : أنت بمنزلة الذي لا يطيقه فعليك الفداء ولا قضاء عليك ، وصحح الدارقطني إسناده .

التالي السابق


الخدمات العلمية